| موضوع كامل عن التوحيد | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد السبت أغسطس 17, 2013 5:16 pm | |
| باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *تمام الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]. *مناسبة الباب لكتاب التوحيد: *أن * فيه الرد على عُبّاد القبور الذين يعتقدون في الأنبياء والصالحين النفع * والضر. وذلك أنه إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد حرص على هداية عمّه * في حياته فلم يتيسر له، ودعا له بعد موته فنُهي عن ذلك، وذكر سبحانه أن * الرسول لا يقدر على هداية من أحبّ، فهذا يدل على أنه –صلى الله عليه وسلم- * لا يملك ضراً ولا نفعاً، فبطل التعلق به لجلب النفع ودفع الضر، وغيره من * باب أولى. *إنك: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. *لا تهدي: هداية توفيقٍ للدخول في الإسلام. وأما هداية الدعوة والبيان فإن الرسول يملكها {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. *من أحببت: هدايته. *ولكن الله يهدي من يشاء: يوفِّق للدخول في الإسلام. *وهو أعلم بالمهتدين: أي: أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية. *المعنى الإجمالي للآية: *يقول * تعالى لرسوله –صلى الله عليه وسلم-: إنك لا تقدر على توفيق من تحب دخوله * في الإسلام، ولكن ذلك إنما يكون بيد الله، فهو الذي يوفق من شاء له، وهو * أعلم بمن يستحقه ممن لا يستحقه. *مناسبة الآية للباب: *أن * فيها دلالة واضحة على أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا * نفعاً ولا عطاء ولا منعاً، وأن الأمر كله بيد الله، ففيها الرد على الذين * ينادونه لتفريج الكربات وقضاء الحاجات. *ما يستفاد من الآية: *1- الرد على الذين يعتقدون أن الأولياء ينفعون أو يضرون ويتصرفون بعد الموت على سبيل الكرامة. *2- أن هداية التوفيق بيد الله سبحانه. *3- إثبات العلم لله سبحانه. *4- إثبات الحكمة لله سبحانه. *5- إبطال التعلق بغير الله. * * *في * الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول * الله - صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل. فقال له: * "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له: أترغب *عن *ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم-، فأعادا. فكان * آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال * النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك" فأنزل الله عز * وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ * لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة: 113]. *وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}"1" [القصص: 56]. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *أ – ترجمة ابن المسيب: هو سعيد بن المسيب أحد العلماء والفقهاء الكبار من التابعين مات بعد التسعين. *في الصحيح: أي: صحيح البخاري. *عن أبيه: المسيب صحابيّ توفي في خلافة عثمان. *لما حضرت أبا طالب الوفاة: أي: علاماتها ومقدماتها. *يا عم: "عمِّ" منادى مضاف حذفت منه الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها. *كلمة: بالنصب على البدل من "لا إله إلا الله". *أحاج: بتشديد الجيم مفتوحة على الجزم بجواب الأمر –من المحاجة وهي بيان الحجة- أي أشهد لك بها عند الله. *أترغب؟ أتترك؟ *ملة عبد المطلب: هي الشرك وعبادة الأصنام، ذكّره بحجة المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]. *فأعاد عليه النبي: أي: أعاد عليه مقالته وهي قولُه: يا عم قل لا إله إلا الله. *وأعادا عليه: أي: أعاد عليه أبو جهل وعبد الله مقالتهما وهي: "أترغب عن ملة عبد المطلب"؟ *هو على ملة عبد المطلب: استبدل الراوي بضمير المتكلم ضمير الغائب استقباحاً للفظ المذكور. *وأبى أن يقول: لا إله إلا الله: هذا تأكيدٌ لما قبله. *ما كان للنبي: أي: ما ينبغي، وهو خبرٌ بمعنى النهي. *المعنى الإجمالي للحديث: *كان * أبو طالب يحمي النبي –صلى الله عليه وسلم- من أذى قومه، وفعل من حمايته *ما *لم يفعله غيرُه من الناس، فكان –صلى الله عليه وسلم- حريصاً على *هدايته، *ومن ذلك أنه عاده لما مرض فجاءه وهو في سياق الموت وعرض عليه *الإسلام؛ *ليكون خاتمة حياته ليحصل له بذلك الفوز والسعادة، وطلب منه أن *يقول كلمة *التوحيد. وعرض عليه المشركون أن يبقى على دين آبائه الذي هو *الشرك؛ لعلمهم *بما تدل عليه هذه الكلمة من نفي الشرك وإخلاص العبادة لله *وحده. وأعاد *النبي –صلى الله عليه وسلم- طلب التلفظ بالشهادة من عمه. *وأعاد المشركون *المعارضة وصاروا سبباً لصده عن الحق وموته على الشرك. *وعند * ذلك حلف النبي –صلى الله عليه وسلم- ليطلُبن له من الله المغفرة ما لم * يمنع من ذلك. فأنزل الله المنع من ذلك وبيّن له أن الهداية بيد الله يتفضل * بها على من يشاء؛ لأنه يعلم من يصلح لها ممن لا يصلح. *مناسبة الحديث للباب: *أن * الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك نفعاً لمن هو أقرب الناس إليه، مما * يدل على بطلان التعلق عليه –صلى الله عليه وسلم- لجلب النفع أو دفع الضر، * وغيره من باب أولى. *ما يستفاد من الحديث: *1- جواز عيادة المريض المشرك إذا رُجي إسلامه. *2- مضرة أصحاب السوء وقرناء الشر على الإنسان. *3- أن معنى لا إله إلا الله ترك عبادة الأصنام والأولياء والصالحين وإفراد الله بالعبادة. وأن المشركين يعرفون معناها. *4- أن من قال لا إله إلا الله عن علمٍ ويقين واعتقادٍ دخل في الإسلام. *5- أن الأعمال بالخواتيم. *6- تحريم الاستغفار للمشركين وتحريم موالاتهم، ومحبتهم. *7- بطلان التعلق على النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيره لجلب النفع أو دفع الضرر. *8- الرد على من زعم إسلام أبي طالب. *9- مضرة تقليد الآباء والأكابر بحيث يُجعل قولهم حجة يرجع إليها عند التنازع. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "1360" ومسلم برقم "24" وأحمد في المسند "5/168، 443". * *يتبع باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد السبت أغسطس 17, 2013 5:17 pm | |
| باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين *وقول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *مناسبة الباب لكتاب التوحيد: *أن * المصنف رحمه الله لما بين بعض ما يفعله عبّاد القبور مع الأموات من الشرك * المضاد للتوحيد أراد في هذا الباب أن يبين السبب في ذلك ليحذر ويجتنب وهو * الغلو في الصالحين. *ما جاء: أي: من الأدلة. *تركهم: بالجر عطفاً على المضاف إليه "كفر". *الغلو: هو: مجاوزة الحد والإفراط في التعظيم بالقول والاعتقاد وتعدي ما أمر الله تعالى به. *في الصالحين: من الأنبياء والأولياء وغيرهم. *أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى. *لا تغلوا في دينكم: لا تتعدوا ما حدد الله لكم، فغلا النصارى في المسيح وغلا اليهود في عزيز. *المعنى الإجمالي للآية: *ينهى * الله اليهود والنصارى عن تعدّي ما حدد الله لهم بأن لا يرفعوا المخلوق *فوق *منزلته التي أنزله الله وينزلوه المنزلة التي لا تنبغي إلا لله. *مناسبة الآية للباب: *أن * فيها النهي عن الغلو مطلقاً، فيشمل الغلو في الصالحين، والخطاب وإن كان * لأهل الكتاب فإنه عام يتناول جميع الأمة تحذيراً لهم أن يفعلوا في نبيهم * وصالحيهم فعل النصارى في المسيح واليهود في عزيز. *ما يستفاد من الآية: *1- تحريم الغلو في الأشخاص والأعمال وغير ذلك. *2- الرد على اليهود والنصارى ومن شابههم في غلوهم في الأشخاص والأعمال وغير ذلك. *3- الحث على لزوم الاعتدال في الدين وجميع الأمور بين جانبي الأفراط والتفريط. *4- التحذير من الشرك وأسبابه ووسائله. * * *وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
* *قال: *"هذه *أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: *أن *انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، * ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت""1 ". * *وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *ترجمة * ابن القيم: هو الإمام العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي * تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، مات سنة 751هـ رحمه الله. وله مؤلفات مفيدة * مشهورة. *لا تذرن آلهتكم: لا تتركوا عبادتها. *ولا تذرون وداً... إلخ: أي: ولا تتركوا هؤلاء خصوصاً. *فلما هلكوا: أي: مات أولئك الصالحون وحزن عليهم قومهم حزناً شديداً. *أوحى الشيطان إلى قومهم: أي: وسوس وألقى إليهم. *انصبوا: بكسر الصاد. *أنصاباً: أي: أصناماً مصورة على صورهم. *حتى إذا هلك أولئك: أي: الذين نصبوها ليتذكروا برؤيتها أفعال أصحابها فينشطوا على العبادة. *ونُسي العلم: أي: زالت المعرفة وغلب الجهال الذين لا يميزون بين الشرك والتوحيد. *عُبدت: أي: تلك الأصنام لما قال لهم الشيطان: إن آباءكم كانوا يعبدونها. *ج- المعنى الإجمالي للأثر: *يفسر *ابن *عباس –رضي الله عنهما- هذه الآية الكريمة بأن هذه الآلهة التي ذكر *الله أن *قوم نوح تواصوا بالاستمرار على عبادتها بعدما نهاهم نبيهم نوح *–عليه *السلام- عن الشرك بالله –أنها في الأصل أسماء رجال صالحين منهم، غلوا *فيهم *بتسويل الشيطان لهم حتى نصبوا صورهم، فآل الأمر بهذه الصور إلى أن *صارت *أصناماً تعبد من دون الله. *وما *ذكره *ابن القيم هو بمعنى ما ذكره البخاري إلا أنه ذكر أن عكوفهم على *قبورهم كان *قبل تصويرهم، فهو يضيف إلى ما سبق أن العكوف على القبور سببٌ *لعبادتها *أيضاً. *مناسبة الأثر للباب: أنه يدل على أن الغلو في الصالحين سببٌ لعبادتهم من دون الله. *ما يستفاد من الأثر: *1- أن الغلو في الصالحين سببٌ لعبادتهم من دون الله وترك الدين بالكلية. *2- التحذير من التصوير وتعليق الصور، لا سيما صور العظماء. *3- التحذير من مكر الشيطان وعرضه الباطل في صورة الحق. *4- التحذير من البدع والمحدثات ولو حسُن قصد فاعلها. *5- أن هذه وسائل إلى الشرك فيجب الحذر منها. *6- معرفة قدر وجود العلم ومضرة فقده. *7- أن سبب فقد العلم هو موت العلماء. *8- التحذير من التقليد، وأنه قد يؤول بأهله إلى المروق من الإسلام. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "4920". * *وعن * عمر –رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تطروني * كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" *أخرجاه"1". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *ترجمة * عمر رضي الله عنه: هو عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي أمير المؤمنين * وأفضل الصحابة بعد الصديق استشهد في ذي الحجة سنة 23هـ. *لا تطروني: الإطراء؛ مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه. *كما أطرت النصارى ابن مريم: أي: كما غلت النصارى في عيسى –عليه السلام- حتى ادَّعوا فيه الألوهية. *فقولوا عبد الله ورسوله: أي: صفوني بذلك كما وصفني به ربي. *معنى الحديث إجمالاً: * يقول –صلى الله عليه وسلم-: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى *في *عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألوهية. إني لا أعدو أن أكون عبداً لله * ورسولاً منه فصفوني بذلك ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله. *مناسبة الحديث للباب: *أن * الرسول –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الغلو في حقه بإعطائه شيئاً من خصائص * الربوبية، مما يدل على تحريم الغلو، وأنه يفضي إلى الشرك كما أفضى *بالنصارى *في حق عيسى. * *ما يستفاد من الحديث: *1- تحريم مجاوزة الحد في مدح النبي –صلى الله عليه وسلم- وإ***جه من دائرة العبودية، لأن ذلك هو الشرك بالله. *2- شدة نصحه –صلى الله عليه وسلم- لأمته. *3- أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك. *4- التحذير من التشبه بالكفار. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "3445". والحديث ليس موجوداً في صحيح مسلم كما قال المصنف رحمه الله. *والحديث أخرجه أحمد "1/23، 24، 47، 55". * *قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو""1". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *راوي الحديث: هذا الحديث ذكره المصنف رحمه الله دون ذكر روايه. وقد رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس. *إياكم: كلمة تحذير. *والغلو: منصوب على التحذير بفعل مقدر، وهو مجاوزة الحد. *من كان قبلكم: من الأمم. *معنى الحديث إجمالاً: *يحذر * النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته من الزيادة في الدين على الحد المشروع، * وهو عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، ومن ذلك الغلو في * تعظيم الصالحين مما يكون سبباً في هلاك الأمم السابقة؛ وذلك يقتضي مجانبة * هديهم في هذا إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به؛ لأن المشارك لهم في بعض * هديهم يُخاف عليه من الهلاك مثلهم. *مناسبة الحديث للباب: *أن * فيه النهي عن الغلو مطلقاً، وبيان أنه سببٌ للهلاك في الدنيا والآخرة، * فيدخل فيه النهي عن الغلو في الصالحين من باب أولى؛ لأنه سبب للشرك. *ما يستفاد من الحديث: *1- النهي عن الغلو وبيان سوء عاقبته. *2- الاعتبار بمن سبقنا من الأمم لتجنب ما وقعوا فيه من الأخطاء. *3- حرصه –صلى الله عليه وسلم- على نجاة أمته من الشرك ووسائله وابتعادهم عنه. *4- الحث على الاعتدال في العبادة وغيرها بين جانبيّ الإفراط والتفريط. *5- أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك. *6- شدة خوفه –صلى الله عليه وسلم- من الشرك والتحذير عنه. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه أحمد في المسند "1/215، 347"، وابن ماجه برقم "3029"، وابن خزيمة برقم "2867"، والحاكم "1/466"، وصححه ووافقه الذهبي. *ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثاً"1". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *المتنطعون: المتعمقون في الشيء من كلامٍ وعبادةٍ وغيرها. *ثلاثاً: أي: قال هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في الإبلاغ والتعليم. *المعنى الإجمالي للحديث: *يوضح النبي –صلى الله عليه وسلم- أن التعمق في الأشياء والغلو فيها يكون سبباً للهلاك، ومراده –صلى الله عليه وسلم- النهي عن ذلك. *مناسبة الحديث للباب: أن التنطع من الغلو المنهي عنه، ويدخل في ذلك التنطع في تعظيم الصالحين إلى الحد الذي يفضي إلى الشرك. *ما يستفاد من الحديث: *1- الحث على اجتناب التنطع في كل شيء؛ لا سيما في العبادات وتقدير الصالحين. *2- الحث على الاعتدال في كل شيء. *3- شدة حرصه على نجاة أمته، واجتهاده في الإبلاغ –صلى الله عليه وسلم-. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه مسلم برقم "2670"، وأبو داود برقم "4608" وأحمد "1/386". * * * *يتبع باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد السبت أغسطس 17, 2013 5:18 pm | |
| باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده * *في * الصحيح عن عائشة: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- *كنيسة *رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم *الرجل *الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك *الصور، أولئك *شرار الخلق عند الله""1". *فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور، وفتنة التماثيل. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *مناسبة الباب لكتاب التوحيد: *هي بيان أن عبادة الله عند القبر وسيلةٌ إلى الشرك المنافي للتوحيد. *ترجمة أم سلمة: هي أم المؤمنين هند بنت أمية المخزومية القرشية ماتت سنة 62هـ رضي الله عنها. *ذكرتْ للنبي –صلى الله عليه وسلم-: أي: في مرض موته. *كنيسة: بفتح الكاف وكسر النون: معبد النصارى. *أولئك؛ بفتح الكاف وكسرها. *الرجل الصالح أو العبد الصالح: هذا –والله أعلم- شكٌّ من الراوي. *تلك الصور: أي: التي ذكرتْ أم سلمة. *فهؤلاء... إلخ: هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ذكره المصنف كالتوضيح لمعنى الحديث. *المعنى الإجمالي للحديث: *أن * أمّ سلمة وصفت عند النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو في مرض الموت –ما * شاهدته في معبد النصارى من صور الآدميّين. فبين –صلى الله عليه وسلم- السبب * الذي من أجله اتخذوا هذه الصور؛ وهو الغلو في تعظيم الصالحين؛ مما أدى *بهم *إلى بناء المساجد على قبورهم ونصب صورهم فيها، ثم بيّن حكم من فعل ذلك * بأنهم شرار الناس؛ لأنهم جمعوا بين محذورين في هذا الصنيع هما: فتنة *القبور *باتخاذها مساجد، وفتنة تعظيم التماثيل مما يؤدي إلى الشرك. *مناسبة الحديث للباب: *أن * فيه الدلالة الواضحة على المنع من عبادة الله عند قبور الصالحين واتخاذها * مساجد؛ لأن ذلك من فعل النصارى ومن فَعَله فهو من شرار الخلق. *ما يستفاد من الحديث: *1- المنع من عبادة الله عند قبور الصالحين؛ لأنه وسيلة إلى الشرك وهو من فعل النصارى. *2- التحدث عما يفعله الكفار –ليحذره المسلمون. *3- التحذير من التصوير ونصب الصور؛ لأن ذلك وسيلةٌ إلى الشرك. *4- أن من بنى مسجداً عند قبر رجل صالح فهو من شرار الخلق وإن حسنت نيته. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "427" ومسلم برقم "528" وأحمد "6/51". * *ولهما * عنها قالت: "لما نُزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة *له *على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود * والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز * قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً"1". أخرجاه. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *ولهما: أي: البخاري ومسلم، وهو يغني عن قوله في آخره: أخرجاه، فلعله سبق قلم. *عنها: أي: عائشة –رضي الله عنها-. *لما نُزل: بضم النون وكسر الزاي أي: نزل به ملك الموت. *طفق: بكسر الفاء وفتحها أي: جعل. *خميصة: كساءٌ له أعلام أي: خطوط. *اغتم بها: أي: غمّته فاحتبس نفسُه عن الخروج. *كشفها: أي: أزالها عن وجهه الشريف. *فقال وهو كذلك: أي: في هذه الحالة الحرجة يقاسي شدة النزع. *يحذّر ما صنعوا: أي: لعنهم تحذيراً لأمته أن تصنع ما صنعوا. *ولولا ذلك: أي: لولا تحذير النبي –صلى الله عليه وسلم- مما صنعوا ولعنُه من فعَله. *لأُبرز قبرُه: أي: لدُفن خارج بيته. *خَشي: يُروى بفتح الخاء بالبناء للفاعل فيكون المعنى: * أنّ الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمرهم بعدم إبراز قبره. ويُروى * بضم الخاء بالبناء للمفعول فيكون المعنى: أن الصحابة هم الذين خشوا ذلك *فلم *يُبرزوا قبره. *المعنى الإجمالي للحديث: *أن * النبي –صلى الله عليه وسلم- حرصاً منه على حماية التوحيد وتجنيب الأمة ما * وقعت فيه الأمم الضالة من الغلو في قبور أنبيائهم حتى آل ذلك بهم إلى *الشرك *جعل –صلى الله عليه وسلم- وهو في سياق الموت ومقاساة شدة النزع- *يحذر أمته *أن لا يغلو في قبره فيتخذوه مسجداً يصلون عنده؛ كما فعلت اليهود *والنصارى *ذلك مع قبور أنبيائهم، فصلى الله عليه لقد بلّغ البلاغ المبين. *مناسبة الحديث للباب: *أن فيه المنع من عبادة الله عند قبور الأنبياء واتخاذها مساجد؛ لأنه يُفضي إلى الشرك بالله. *ما يستفاد من الحديث: *1- المنع من اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يُصلى فيها لله، لأن ذلك وسيلة إلى الشرك. *2- شدة اهتمام الرسول –صلى الله عليه وسلم- واعتنائه بالتوحيد وخوفِه أن يعظّم قبره، لأن ذلك يفضي إلى الشرك. *3- جواز لعن اليهود والنصارى ومن فعل مثل فعلهم من البناء على القبور واتخاذها مساجد. *4- بيان الحكمة من دفن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته، وأن ذلك لمنع الافتتان به. *5- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بشرٌ يَجري عليه ما يجري على البشر من الموت وشدة النزع. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "435" ومسلم برقم "531". * *ولمسلم * عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت * بخمسٍ وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد * اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً. ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً * لاتخذت أبا بكر خليلاً. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم * مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك""1". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *التراجم: *1- جندب هو: جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي صحابيٌّ مشهور، مات بعد الستين –رضي الله عنه-. *2- *أبا بكر *هو؛ أبو بكرٍ الصديق: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب *التيمي *خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأفضل الصحابة بالإجماع، مات *سنة 13 *وله 63 سنة رضي الله عنه. *بخمس: أي: خمس ليال. وقيل: خمس سنين. *إني أبرأ: أي: أمتنع وأنكر. *خليلاً؛ الخليل هو: المحبوب غاية الحب. *ألا: حرف استفتاح وتنبيه. *من كان قبلكم: يعني: اليهود والنصارى. *يتخذون قبور أنبيائهم مساجد: بالصلاة عندها وإليها، وبناءِ المساجد والقباب عليها. *المعنى الإجمالي للحديث: *يتحدث * –صلى الله عليه وسلم- قبيل وفاته إلى أمته بحديث مهمّ، فيخبر عن مكانته * عند الله، وأنها بلغت أعلى درجات المحبة؛ كما نالها إبراهيم عليه السلام، * ولذلك نفى أن يكون له خليلٌ غير الله؛ لأن قلبه امتلأ من محبته وتعظيمه * ومعرفته؛ فلا يتسع لأحد. ولو كان له خليلٌ من الخلق لكان أبا بكر الصديق، * وهو إشارةٌ إلى فضل أبي بكر واستخلافه من بعده. ثم أخبر عن غلو اليهود * والنصارى في قبور أنبيائهم حتى صيّروها متعبدات شركية، ونهى أمته أن يفعلوا * مثل فعلهم. *مناسبة الحديث للباب: *أن فيه النهي عن اتخاذ القبور أمكنة للعبادة؛ لأنه وسيلة إلى الشرك. كما تفعل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل البدع. *ما يستفاد من الحديث: *1- النهي عن اتخاذ القبور أمكنة للعبادة يُصلى عندها أو إليها ويُبنى عليها مساجد أو قبابٌ، حذراً من الوقوع في الشرك بسبب ذلك. *2- سد الذرائع المفضية إلى الشرك. *3- إثبات المحبة لله سبحانه على ما يليق بجلاله. *4- فضل الخليلين: محمد وإبراهيم عليهما السلام. *5- فضل أبي بكر الصديق، وأنه أفضل الأمة على الإطلاق. *6- أنه دليل على خلافة أبي بكر الصديق. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه مسلم برقم "532". * *فقد * نهى عنه وهو في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق مَن فَعَلَه. *والصلاة *عندها من ذلك وإن لم يُبْنَ مسجد. وهو معنى قولِها: خشي أن يتخذ *مسجداً. *فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً. *وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً، كما قال - صلى الله عليه وسلم-: "جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً""1". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يوضح به ما تدل عليه الأحاديث السابقة في الباب. *توضيح كلام ابن تيمية: *فقوله: "فقد نهى عنه في آخر حياته": كما في حديث جندب. *وقوله: "ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله": كما في حديث عائشة. *وقوله: "والصلاة عندها من ذلك" أي: من اتخاذها مساجد. *وقوله: "وإن لم يُبن مسجدٌ" أي: الصلاة عند القبور من اتخاذها مساجد الملعون من فعله ولو بدون بناء مساجد. *وقوله: "وهو معنى قولِها: خَشي أن يُتخذ مسجداً" أي: معنى قول عائشة في تعليل دفن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته وعدم إبراز قبره. *وقوله: "فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً" أي: * *لما علموا من تشديده –صلى الله عليه وسلم- في ذلك وتغليظه ولعنِ من فعله فيكون المقصود النهي عن الصلاة عندها. *وقوله: "وكل موضع قُصدت الصلاة فيه فقد اتُخذ مسجداً"؛ لكونه أُعد للصلاة وإن لم يُبن. *وقوله: "بل كل موضع يُصلى فيه يسمى مسجداً" أي: وإن لم يقصد بذلك بخصوصه، بل أوقعت فيه الصلاة عرضاً لما حان وقتها فيه. *وقوله: * كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" * أراد به الاستدلال للجملة التي قبله، حيث سمى –صلى الله عليه وسلم- في هذا * الحديث الأرض مسجداً، تجوز الصلاة في كل بقعة منها إلا ما استثناه الدليل. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "335" ومسلم برقم "521". * * *ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود –رضي الله عنه- مرفوعاً: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد""1" ورواه أبو حاتم في صحيحه. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *شرار الناس: بكسر الشين جمع شرّ، أفعل تفضيل. *من تدركهم الساعة: أي: مقدماتها: كخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها. *يتخذون القبور مساجد: أي: بالصلاة عندها وإليها. *المعنى الإجمالي للحديث: *يخبر * –صلى الله عليه وسلم- عمن تقوم الساعة عليهم وهم أحياءٌ أنهم شرار الناس، * ومنهم الذين يصلون عند القبور وإليها ويبنون عليها القباب، وهذا تحذيرٌ * لأمته أن تفعل مع قبور نبيهم وصالحيهم مثل فعل هؤلاء الأشرار. *مناسبة الحديث للباب: *أن فيه التحذير من اتخاذ القبور مساجد، يُصلى في ساحتها ويُتبرك بها؛ لأنه ذريعةٌ إلى الشرك. *ما يستفاد من الحديث: *1- التحذير عن الصلاة عند القبور، لأنه وسيلةٌ إلى الشرك. *2- أن من اتخذ قبور الصالحين مساجد للصلاة فيها فهو من شرار الخلق، وإن كان قصده التقرب إلى الله. *3- أن الساعة تقوم على شرار الناس. *4- التحذير عن الشرك ووسائله وما يقرب إليه، مهما كان قصد صاحب تلك الوسائل. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه أحمد في مسنده "1/435"، وصححه ابن حبان في صحيحه برقم "340". * * *باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله
ش | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد السبت أغسطس 17, 2013 5:19 pm | |
| باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله
* * روى * مالك في الموطأ: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم لا تجعل * قبري وثناً يُعبد. اشتد غضبُ الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد""1". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *مناسبة الباب لكتاب التوحيد: *أن * المصنف رحمه الله لما حذر في الباب الذي قبله من الغلو في الصالحين أراد * أن يبين في هذا الباب أن الغلو في القبور وسيلةٌ إلى الشرك المضاد للتوحيد * وذلك بعبادة الأموات. كما أراد أيضاً التحذير من الغلو في القبور. *ترجمة * الإمام مالك: هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي –إمام * دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة توفي سنة 179 هـ رحمه الله تعالى. *اللهم: منادى مبنيٌ على الضم في محل نصب، والميم المشددة زائدة. *وثناً: هو المعبود الذي لا صورة له: كالقبور والأشجار والعُمد والحيطان والأحجار ونحوِها. *المعنى الإجمالي للحديث: *خاف * –صلى الله عليه وسلم- أن يقع في أمته مع قبره ما وقع من اليهود والنصارى * مع قبور أنبيائهم من الغلو فيها حتى صارت أوثاناً، فرغِب إلى ربه أن لا * يجعل قبره كذلك. ثم نبّه –صلى الله عليه وسلم- على سبب لحوق شدة الغضب * واللعنة باليهود والنصارى. أنه ما فعلوا في حق قبور الأنبياء حتى صيّروها * أوثاناً تعبد، فوقعوا في الشرك العظيم المضاد للتوحيد. *مناسبة الحديث للباب: *أن * الغلو في القبور يجعلها أوثاناً تُعبد؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- * قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد" وبيّن ذلك بقوله: "اتخذوا قبور * أنبيائهم مساجد". *ما يستفاد من الحديث: *1- أن الغلو في قبور الأنبياء يجعلُها أوثاناً تُعبد. *2- أن من الغلو في القبور اتخاذها مساجد، وهذا يؤدّي إلى الشرك. *3- إثبات اتصاف الله سبحانه بالغضب على ما يليق بجلاله. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه مالك في موطئه برقم "85" وأحمد في مسنده "2/246".
* * * ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19]. *قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره. *وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *التراجم: *1- ابن جرير هو: الإمام الحافظ محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير مات سنة 310 هـ رحمه الله. *2- سفيان: الأظهر أنه سفيان بن سعيد الثوري إمامٌ حجة عابد، مات سنة 161هـ. رحمه الله. *3- منصور هو: ابن المعتمر ثقةٌ فقيهٌ مات سنة 132هـ. رحمه الله. *4- مجاهد هو: ابن جبر ثقة إمام في التفسير، أخذ عن ابن عباس وغيره مات سنة 104هـ. رحمه الله. *5- أبو الجوزاء هو؛ أوس بن عبد الله الرّبعي ثقةٌ مشهورٌ مات سنة 83هـ. رحمه الله. *يلت السويق: أي يخلطه بسمن ونحوه. *عكفوا على قبره: أقبلوا وواظبوا واحتبسوا عليه. *مناسبة الأثر للباب: *أن سبب عبادة اللات هو الغلو في قبره حتى صار وثناً يُعبد. * * * وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج""1" رواه أهل السنن. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *أهل السنن: أي: أبو داود والترمذي وابن ماجه. ولم يروِه النسائي. *زائرات القبور: أي: من النساء. *والسُّرج: أي: الذين يوقِدون السرج على المقابر ويضيؤونها. *معنى الحديث إجمالاً: *يدعو * –صلى الله عليه وسلم- باللعنة وهي الطرد والإبعاد عن رحمة الله للنساء * اللاتي يزُرن القبور؛ لأن زيارتهن يترتب عليها مفاسد منا النياحة والجزع * وافتتان الرجال بهن. ولَعن الذين يتخذون المقابر مواطن عبادة أو يضيؤونها * بالسّرج والقناديل؛ لأن هذا غلوٌ فيها ومدعاة للشرك بأصحابها. *مناسبة الحديث للباب: *أنه يدل على تحريم الغلو في القبور؛ لأن ذلك يصيّرها أوثاناً تُعبد. *ما يستفاد من الحديث: *1- تحريم الغلوّ في القبور باتخاذها مواطن للعبادة؛ لأنه يفضي إلى الشرك. *2- تحريم تنوير المقابر؛ لأن ذلك وسيلةٌ لعبادتها. *3- أن الغلو في القبور من الكبائر. *4- *أن علة *النهي عن الصلاة عند القبور هي: خوف الشرك، لا لأجل النجاسة؛ لأن *الرسول *–صلى الله عليه وسلم- قرن بين اتخاذها مساجد وإسراجها ولعن على *الأمرين. *وليس اللعن على إسراجها من أجل النجاسة، بفكذا الصلاة عندها. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه أبو داود برقم "3236" والترمذي برقم "320" وابن ماجه برقم "1575"، وأحمد في مسنده "1/229، 287، 324، 337".
* * * يتبع باب ما جاء في حماية المصطفى –صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد وسده كل طريق يوصّل إلى الشرك
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد السبت أغسطس 17, 2013 5:20 pm | |
| باب ما جاء في حماية المصطفى –صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد وسده كل طريق يوصّل إلى الشرك
* * * * * * وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} الآية. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *تمام الآية: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]. *مناسبة الباب لكتاب التوحيد: *أن *المصنف *رحمه الله لما بين في الأبواب السابقة شيئاً من حمايته –صلى الله *عليه *وسلم- لجناب التوحيد، أراد أن يبين في هذا الباب حمايته الخاصة. *المصطفى: هو المختار. *جناب: أي: جانب. *جاءكم: يا معشر العرب. *من أنفسكم: من جنسكم وبلغتكم. *عزيز عليه: أي: شديد عليه جداً –وهو خبرٌ مقدم. *ما عنتم: ما يشق عليكم ويلحق الأذى بكم من كفر وضلال وقتل وأسر و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأٌ مؤخر. *حريص عليكم: أي: شديد الحرص والرغبة في هدايتكم وحصول النفع العاجل والآجل لكم. *بالمؤمنين: أي: لا بغيرهم. *رءوف: بليغ الشفقة. *رحيم: بليغ الرحمة. *المعنى الإجمالي للآية: *يخبر * تعالى عباده على سبيل الامتنان أنه بعث فيهم رسولاً عظيماً من جنسهم * وبلغتهم، يشق عليه جداً ما يشق عليهم، ويؤذيه ما يؤذيهم، شديد الحرص على * هدايتهم وحصول النفع لهم، شديد الشفقة والرحمة بالمؤمنين خاصة منهم. *مناسبة الآية للباب: *أن * هذه الأوصاف المذكورة فيها في حق النبي –صلى الله عليه وسلم- تقتضي أنه * أنذر أمته وحذّرهم عن الشرك الذي هو أعظم الذنوب؛ لأن هذا هو المقصود * الأعظم في رسالته. *ما يستفاد من الآية: *1- أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد حذّر أمته من الشرك وباعدها منه وسد كل طريق يفضي بها إليه. *2- التنبيه على نعمة الله على عباده بإرسال هذا الرسول الكريم إليهم وكونه منهم. *3- مدح نسب الرسول –صلى الله عليه وسلم- فهو من صميم العرب وأشرفهم بيتاً ونسباً. *4- بيان رأفته ورحمته بالمؤمنين. *5- فيها دليلٌ على غلظته وشدته على الكفار والمنافقين.
* * * وعن * أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا * تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم *تبلغني *حيث كنتم""1" رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *لا تجعلوا بيوتكم قبوراً: لا تعطّلوها من صلاة النافلة والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور. *ولا تجعلوا قبري عيداً: العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان. أي: لا تتخذوا قبري محل اجتماعٍ تترددون إليه وتعتادونه للصلاة والدعاء وغير ذلك. *فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم: أي ما ينالني منكم من الصلاة يحصل مع قربكم وبعدكم من قبري فلا حاجة بكم إلى المجيء إليه والتردد عليه. *المعنى الإجمالي للحديث: *نهى * –صلى الله عليه وسلم- عن تعطيل البيوت من صلاة النافلة فيها والدعاء * وقراءة القرآن فتكون بمنزلة القبور؛ لأن النهي عن الصلاة عند القبور قد * تقرر عندهم فنهاهم أن يجعلوا بيوتهم كذلك، ونهى عن تكرار زيارة قبره * والاجتماع عنده على وجهٍ معتاد لأجل الدعاء والتقرب؛ لأن ذلك وسيلةٌ إلى * الشرك، وأمر بالاكتفاء عن ذلك بكثرة الصلاة والسلام عليه في أي مكان من * الأرض؛ لأن ذلك يبلغه من القريب والبعيد على حدّ سواء، فلا حاجة إلى انتياب * قبره. *مناسبة الحديث للباب: *أن * فيه حسماً لمادة الشرك، وسداً للطرق الموصلة إليه؛ حيث أفاد أن القبور لا * يصلَّى عندها، ونهى عن الاجتماع عند قبره واعتياد المجيء إليه؛ لأن ذلك *مما *يوصل إلى الشرك. *ما يستفاد من الحديث: *1- *سد الطرق *المفضية إلى الشرك من الصلاة عند القبور والغلو في قبره –صلى *الله عليه *وسلم- بأن يجعل محل اجتماع وارتياد ترتب له زيارات مخصوصة. *2- مشروعية الصلاة والسلام عليه في جميع أنحاء الأرض. *3- أنه لا مزية للقرب من قبره –صلى الله عليه وسلم-. *4- المنع من السفر لزيارة قبره –صلى الله عليه وسلم-. *5- حمايته –صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه أبو داود برقم "3042" وأحمد في مسنده "2/367". * * وعن * علي بن الحسين: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرجة كانت عند قبر النبي –صلى * الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من * أبي عن جدي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تتخذوا قبري عيداً * ولا بيوتكم قبوراً فإن تسليمكم يبلغني أينما –أو حيث- كنتم" رواه في * المختارة. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *ترجمة علي بن الحسين: هو: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين أفضل التابعين مات سنة 93هـ. *فرجة: أي: فتحة في الجدار. *المختارة: اسم كتابٍ يشتمل على الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين لمؤلفه ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي –رحمه الله-. *مناسبة الحديث للباب: *أن * فيه النهي عن قصد قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- لأجل الدعاء عنده، * فغيرُه من القبور من باب أولى؛ لأن ذلك نوعٌ من اتخاذه عيداً، وهو وسيلةٌ * إلى الشرك. *ما يستفاد من الحديث: *1- النهي عن الدعاء عند قبر النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ حمايةً لحمى التوحيد. *2- مشروعية إنكار المنكر وتعليم الجاهل. *3- المنع من السفر لزيارة قبر الرسول –صلى الله عليه وسلم-؛ حمايةً للتوحيد. *4- أن الغرض الشرعي من زيارة قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- هو السلام عليه فقط؛ وذلك يبلغه من القريب والبعيد.
باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
* * * وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: *أن * المصنف لما ذكر التوحيد وما ينافيه أو يُنقِصه من الشرك، ذكر هذا الباب *أن *هذا الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة، قصد بذلك الردّ على عُبّاد *القبور *الذين يفعلون الشرك ويقولون: لا يقع في هذه الأمة المحمدية شركٌ، وهم يقولون: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله. * * الأوثان: جمع وثن، وهو ما قُصد بنوع من أنواع العبادة من القبور والمشاهد وغيرها. *ألم تر: ألم تنظر. *الذين أوتوا: أُعطوا وهم اليهود والنصارى. *نصيباً: حظاً. *يؤمنون: يصدقون. *بالجبت: وهو كلمةٌ تقع على الصنم والكاهن والساحر. *والطاغوت: من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فكل من تجاوز الحد المقدار والحد فهو طاغوت، والمراد به هنا الشيطان. *المعنى الإجمالي للآية: *يقول * الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم- على وجه التعجب والاستنكار! ألم تنظر *إلى *هؤلاء اليهود والنصارى الذين أُعطوا حظاً من كتاب الله الذي فيه بيان *الحق *من الباطل، ومع هذا يصدقون بالباطل من عبادة الأصنام والكهانة *والسحر، *ويطيعون الشيطان في ذلك. *مناسبة الآية للباب: *أنه * إذا كان الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، فهذه *الأمة *التي أوتيت القرآن لا ينكرولا يستبعد أن تعبد الجبت والطاغوت؛ لأن *الرسول *–صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه سيكون في هذه الأمة من يفعل مثل فعل *اليهود *والنصارى موافقةً لهم ولو كان يبغضها ويعرف بُطلانها. *ما يستفاد من الآية: *1- أنه سيكون في هذه الأمة من يعبد الأوثان كما حدث لليهود والنصارى. *2- أن الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع معناه موافقةُ أصحابها ولو كان يبغضها ويعرف بُطلانها. *3- أن الكفر بالجبت والطاغوت واجبٌ في جميع الكتب السماوية. *4- وجوب العمل بالعلم، وأن من لم يعمل بعلمه ففيه شبهٌ من اليهود والنصارى.
* * * وقوله تعالى: {قُلْ * هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن * لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ * وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60]. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *قل: الخطاب لمحمد –صلى الله عليه وسلم-. *هل أنبئكم: أخبركم. *بشرّ من ذلك: الذي ذكرتم في حقّنا من الذم زوراً وبهتاناً من قولكم في حقنا: "ما رأينا شراً منكم". *مثوبة عند الله: أي: جزاءً عنده يوم القيامة نُصب على التمييز، وهذا يصدق عليكم أنتم أيها المتصفون بهذه الصفات لا نحن. *من لعنه الله: طرده وأبعده من رحمته. *وغضب عليه: غضباً لا يرضى بعده. *وجعل منهم القردة: وهم: أصحاب السبت من اليهود. *والخنازير: وهم كفار مائدة عيسى من النصارى. وقيل كِلا المَسخين في أصحاب السبت من اليهود. فالشباب مُسخوا قردةً والشيوخ مُسخوا خنازير. *وعبدَ الطاغوتَ: أي: وجعل منهم من عبد الشيطان أيْ: أطاعه فيما سوّل له. *المعنى الإجمالي للآية: *يقول * تعالى لنبيه: قل لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هُزُواً ولعباً من أهل *الكتاب: *هل أخبركم بمن ينال شر الجزاء يوم القيامة عند الله؛ إنه من اتصف *بهذه *الصفات التي هي الإبعاد عن رحمة الله، ونيل غضبه الدائم، ومن مُسخت *صورته *ظاهراً بتحويله إلى قردٍ أو خنزير، وباطناً بطاعة الشيطان وإعراضه *عن وحي *الرحمن. *وهذه الصفات إنما تنطبق عليكم يا أهل الكتاب ومن تشبه بكم لا علينا. *مناسبة الآية للباب: *أنه إذا كان في أهل الكتاب من عبَد الطاغوت من دون الله، فكذلك يكون في هذه الأمة من يفعل ذلك. *ما يستفاد من الآية: *1- وقوع الشرك في هذه الأمة، كما كان في اليهود والنصارى من عبد الطاغوت. *2- محاجة أهل الباطل وبيان ما فيهم من العيوب إذا نبزوا أهل الحق بما ليس فيهم. *3- أن الجزاء إنما يكون على الأعمال، ويكون من جنس العمل. *4- وصف الله بأنه يغضب ويلعن العصاة. *5- أن طاعة الشيطان هي منشأ الشرك بالله. * * * * وقوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} [الكهف: 21]. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *الذين غلبوا على أمرهم: أي على أمر أصحاب الكهف وهم أصحاب الكلمة والنفوذ. *لنتخذن عليهم: حولهم. *مسجداً: يُصلى فيه ويقصدهم الناس ويتبركون بهم. *المعنى الإجمالي للآية: *يخبر تعالى عن الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف على وجه الذم لهم أنهم قالوا لنتخذن حولهم مصلى يقصِده الناس ويتبركون بهم. *مناسبة الآية للباب: *أن فيها دليلاً على أنه سيكون في هذه الأمة من يتخذ المساجد على القبور، كما كان يفعله من كان قبلهم. *ما يستفاد من الآية: *1- تحريم اتخاذ المساجد على القبور والتحذير من ذلك؛ لأنه يؤدي إلى الشرك. *2- أنه سيكون في هذه الأمة من يتخذ المساجد على القبور كما فعله من كان قبلهم. *3- التحذير من الغلو في الصالحين. *4- أن اتخاذ المساجد على القبور من الغلو في الصالحين.
* * عن * أبي سعيد –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن * سَنن من كان قبلكم حذو القُذّة بالقُذَّة حتى لو دخلوا جُحر ضبّ *لدخلتموه" *قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن""1" أخرجاه. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *سَنَنَ: بفتح السين أي: طريق. *من كان قبلكم: أي الذين قبلكم من الأمم. *حذو: منصوبٌ على المصدر أي: تحذون حذوهم. *القُذّة: بضم القاف: واحدة القُذَذ وهي ريش السهم. وله قذّتان متساويتان. *حتى لو دخلوا جُحر ضب: أي: لو تُصوِّر دخولهم فيه مع ضيقه. *لدخلتموه: لشدة سلوككم طريق من قبلكم. *قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى: أي: أهم اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم، أو تعني اليهود والنصارى؟ *قال: فمن؟ استفهامٌ إنكاريٌّ أي: فمن هم غير أولئك. *أخرجاه: أي: البخاري ومسلم. وهذا لفظ مسلم. *المعنى الإجمالي للحديث: *يخبر * –صلى الله عليه وسلم- خبراً معناه النهي عما يتضمنه هذا الخبر: أن أمته *لا *تدع شيئاً مما كان يفعله اليهود والنصارى إلا فعلته كلَّه، لا تترك منه * شيئاً ولو كان شيئاً تافهاً. *ويؤكد * هذا الخبرَ بأنواع من التأكيدات، وهي اللام الموطئة للقسم، ونون التوكيد، * ووصف مشابهتهم بأنها كمشابهة قذة السهم للقذة الأخرى، ثم وصفها بما هو *أدق *في التشبه بهم؛ بحيث لو فعلوا شيئاً تافهاً غريباً لكان في هذه الأمة *من *يفعله تشبُّهاً بهم. *مناسبة الحديث للباب: *أن فيه دليلاً على وقوع الشرك في هذه الأمة؛ لأنه وُجد في الأمم قبلنا، ويكون في هذه الأمة من يفعله اتباعاً لهم. *ما يستفاد من الحديث: *1- وقوع الشرك في هذه الأمة تقليداً لمن سبَقها من الأمم. *2- علمٌ من أعلام نبوته حيث أخبر بذلك قبل وقوعه فوقع كما أخبر. *3- التحذير من مشابهة الكفار. *4- التحذير مما وقع فيه الكفار من الشرك بالله وغيره مما حرَّم الله تعالى. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه البخاري برقم "3456" ومسلم برقم "2669".
* * * ولمسلم * عن ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن * الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي * لي منها. وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا * يهلكها بسَنَة بِعَامَّة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح * بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك * لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح * بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي * بعضهم بعضًا""1". *ورواه * البرقاني في صحيحه، وزاد: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع * عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من * أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي * كذَّابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا * تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى * يأتي أمر الله تبارك وتعالى". *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *ترجمة ثوبان: هو: مولى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صحِبَه ولازمَه وسَكَنَ *بعده بالشام، ومات بحمص سنة 54هـ. *زوى لي الأرض: طواها وجعلها مجموعة كهيئة كفٍّ في مرآةٍ ينظره، فأبصر ما تملكه أمته من أقصى مشارق الأرض ومغاربها. *ما زُوِيَ لي منها: يحتمل أن يكون مبنياً للفاعل، وأن يكون مبنياً للمفعول. *الكنزين: كنزُ كسرى وهو ملكُ الفرس وكنز قيصرَ وهو ملكُ الروم. *الأحمر: عبارةٌ عن كنز قيصر، لأن الغالب عندهم كان الذهب. *والأبيض: عبارةٌ عن كنز كِسرى، لأن الغالب عندهم كان الجوهر والفضة. والأحمر والأبيضَ منصوبان على البدل. *بسنة: السنة: الجدْب. *بعامّة: صفةٌ لسنةٍ رُوي بالباء وبحذفها –أي: جدبٌ عامّ يكون به الهلاك العام. *من سوى أنفسهم: أي: من غيرهم من الكفار. *بيضتهم: قيل ساحتهم وما حازوه من البلاد، وقيل معظمهم وجماعتهم. *حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً: أي: حتى يوجد ذلك منهم، فعند ذلك يسلِّط عليهم عدوَّهم من الكفار. *الأئمة المضلين: أي: الأمراء والعلماء والعباد الذين يقتدي بهم الناس. *وإذا وقع عليهم السيف: أي: وقعت الفتنة والقتال بينهم. *لم يُرفع إلى يوم القيامة: أي: تبقى الفتنة والقتال بينهم. *يلحق حيٌّ من أمتي: الحي واحد الأحياء وهي القبائل. *بالمشركين: أي: ينزلون معهم في ديارهم. *فئامٌ: أي: جماعات. *خاتم النبيين: أي: آخر النبيين. *حتى يأتي أمر الله: الظاهر أن المراد به: الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين. *تبارك: كمُل وتعاظم وتقدَّس، ولا يقال إلا لله. *وتعالى: تعاظم وكمُل علُوُّه. *المعنى الإجمالي للحديث: *هذا * حديثٌ جليلٌ يشتمل على أمور مهمة وأخبار صادقة، يخبر فيها الصادق المصدوق * –صلى الله عليه وسلم- أن الله سبحانه جمع له الأرض حتى أبصر ما تملكه *أمته *من أقصى المشارق والمغارب، وهذا خبرٌ وُجد مخبره، فقد اتسع ملك أمته *حتى *بلغ من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وأخبر أنه أُعطي الكنزين فوقع *كما *أخبر، فقد حازت أمته ملكي كسرى وقيصر بما فيهما من الذهب والفضة *والجوهر، *وأخبر أنه سأل ربه لأمته أن لا يهلكهم بجدبٍ عامٍّ ولا يسلط *عليهم عدواً من *الكفار يستولي على بلادهم ويستأصل جماعتهم. وأن الله أعطاه *المسألة *الأولى، وأعطاه المسألة الثانية ما دامت الأمة متجنبة للاختلاف *والتفرق *والتناحر فيما بينها –فإذا وُجد ذلك سلط عليهم عدوهم من الكفار، *وقد وقع *كما أخبر حينما تفرقت الأمة. وتخوّف –صلى الله عليه وسلم- على *أمته خطر *الأمراء والعلماء الضالين المضلين؛ لأن الناس يقتدون بهم في *ضلالهم. وأخبر *أنها إذا وقعت الفتنة والقتال والأمة فإن ذلك يستمر فيها *إلى يوم القيامة *وقد وقع كما أخبر، فمنذ حدثتِ الفتنة بمقتل عثمان رضي *الله عنه وهي مستمرة *إلى اليوم. وأخبر أن بعض أمته يلحقون بأهل الشرك في *الدار والديانة. وأن *جماعاتٍ من الأمة ينتقلون إلى الشرك وقد وقع كما *أخبر، فعُبدت القبور *والأشجار والأحجار. وأخبر عن ظهور المدّعين للنبوة *–وأن كل من ادعاها فهو *كاذب؛ لأنها انتهت ببعثته –صلى الله عليه وسلم-. *وبشّر –صلى الله عليه *وسلم- ببقاء طائفة من أمته على الإسلام رغمَ وقوع *هذه الكوارث والويلات، *وأن هذه الطائفة مع قِلّتها لا تتضرر بكيد أعدائها *ومخالفيها. *مناسبة الحديث للباب: *أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر فيه أن جماعات من أمته ستعبد الأوثان؛ ففيه الرد على من أنكر وقوع الشرك في الأمة. *ما يستفاد من الحديث: *1- وقوع الشرك في هذه الأمة والرد على من نفى ذلك. *2- علمٌ من أعلام نبوته –صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر بأخبار وقع مضمونها كما أخبر. *3- كمال شفقته –صلى الله عليه وسلم- بأمته حيث سأل ربه لها ما فيه خيرها وأعظمُه التوحيد، وتخوّف عليها ما يضرها وأعظمُه الشرك. *4- تحذير الأمة من الاختلاف ودعاة الضلال. *5- ختم النبوة به –صلى الله عليه وسلم-. *6- البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية وببقاء طائفة عليه لا يضرها من خذلها ولا من خالفها. *ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *"1" أخرجه مسلم برقم "2889".
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:35 pm | |
| باب ما جاء في السحر
وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102]. وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]. قال عمر: الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهّان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حيٍّ واحد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أنه لمّا كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يأتي السحر بدون الشرك، عقد له المصنف هذا الباب في كتاب التوحيد؛ ليبين ذلك تحذيراً منه. ما جاء: أي: من الوعيد وبيان منافاته للتوحيد وتكفير فاعله. في السحر: السحر لغة: عبارةٌ عما خفي ولطُف سببه. وشرعاً: عزائم ورقى وكلام يُتكلم به وأدوية وتدخينات وعُقد، يؤثر في القلوب والأبدان، فيُمرض ويَقتل ويفرّق بين المرء وزوجه. ولقد علموا: أي: علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسل. لمن اشتراه: أي: رضي بالسحر عوضاً عن شرع الله ودينه. من خلاق: من نصيب. الجبت:كلمةٌ تقع على الصنم والساحر والكاهن. وتفسير عمر له بالسحر من تفسير الشيء ببعض أفراده. الطاغوت:من الطغيان وهو: مجاوزة الحد، فكل من تجاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغوت. الطواغيت كهّانٌ: المراد به أن الكهان من الطواغيت فهو من أفراد المعنى وليس المراد الحصر. ينزل عليهم الشيطان: أي: الشياطين لا إبليس خاصة فهو اسم جنس. في كل حي: في كل قبيلة. المعنى الإجمالي للآيتين: يقول تعالى: ولقد علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسل والإيمان بالله لمن استبدل السحر بكتاب الله ومتابعة رسله ما له نصيب في الآخرة، وفي الآية الثانية: يخبر تعالى عن اليهود أنهم يصدقون بالجبت الذي منه السحر. مناسبة الآيتين للباب: أنهما يدلان على تحريم السحر وأنه من الجبت. ما يستفاد من الآيتين: 1- تحريم السحر. 2- كفر الساحر. 3- الوعيد الشديد لمن أعرض عن كتاب الله، واستبدل به غيره. 4- أن السحر من الشرك المنافي للتوحيد؛ لأنه استخدامٌ للشياطين وتعلق بهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث رواه البخاري ومسلمٌ. اجتنبوا: أبعدوا. الموبقات: المهلكات، سُميت موبقات؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا والآخرة. الشرك بالله: بأن يجعل لله نداً يدعوه ويرجوه ويخافه. التي حرم الله: أي: حرم قتلها. إلا بالحق: أي: بفعل موجبٍ للقتل. وأكل الربا: أي؛ تناوله بأي وجه. وأكل مال اليتيم: يعني: التعدي فيه –واليتيم: من مات أبوه وهو دون البلوغ. التولي يوم الزحف: أي الإدبار من وجوه الكفار وقت القتال. وقذفُ المحصنات: رميهن بالزنا –والمحصنات: المحفوظات من الزنا. والمراد: الحرائر العفيفات. الغافلات: عن الفواحش وما رمين به – أي البريئات. المؤمنات: بالله.
المعنى الإجمالي للحديث: يأمر –صلى الله عليه وسلم- أمته بالابتعاد عن سبع جرائم مهلكاتٍ، ولما سُئل عنها ما هي؟ بيّنها بأنها الشرك بالله، باتخاذ الأنداد له من أي شكل كانت، وبدأ بالشرك؛ لأنه أعظم الذنوب، وقتلِ النفس التي منع الله من قتلها إلا بمسوغٍ شرعي، وتناول الربا بأكلٍ أو بغيره من وجوه الانتفاع، والتعدي على مال الطفل الذي مات أبوه، والفرار من المعركة مع الكفار، ورمي الحرائر العفيفات بالزنا. وجه سياق الحديث في باب السحر: أن فيه دليلاً على تحريم السحر واعتباره من الكبائر المهلكة. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الشرك، وأنه هو أكبر الكبائر وأعظم الذنوب. 2- تحريم السحر، وأنه من الكبائر المهلكة ومن نواقض الإسلام. 3- تحريم قتل النفس بغير حق. 4- جواز قتل النفس إذا كان بحقٍّ كالقصاص والردة والزنا بعد إحصان. 5- تحريم الربا وعظيم خطره. 6- تحريم الاعتداء على مال الأيتام. 7- تحريم الفرار من الزحف. 8- تحريم القذف بالزنا واللواط. 9- أن قذف الكافر ليس من الكبائر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "2766" ومسلم برقم "89" وأبو داود برقم "2874".
وعن جندب مرفوعاً: "حد الساحر ضربهُ بالسيف" رواه الترمذي. وقال: الصحيح أنه موقوف"1". وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عَبَدة قال: كتب عمر بن الخطاب: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة". قال: فقتلنا ثلاث سواحر"2". وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها. فقُتلت"3". وكذلك صح عن جندب. قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حد الساحر: أي: عقوبته. ضربهُ بالسيف: أي: قتله، رُوي "ضربه" بالهاء والتاء. موقوفٌ: أي: من كلام الصحابي لا من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم-. عن ثلاثة من أصحاب رسول الله: هم: عمر، وحفصة، وجندب. مناسبة الآثار للباب: أن فيها بيانَ حدّ الساحر بأنه القتل؛ مما يدل على عِظَم جريمة السحر وأنه من الكبائر. ما يستفاد من الآثار: 1- بيان حد الساحر وأنه يُقتل ولا يُستتاب. 2- وجود تعاطي السحر في المسلمين على عهد عمر فكيف بمن بعده. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه الترمذي برقم "1460"، والبيهقي في سننه الكبرى "8/136"، والحاكم في المستدرك "4/360". "2" أخرجه البخاري برقم "3156" وأحمد في المسند "1/190". "3" أخرجه مالك في موطئه "2/872".
يتبع باب بيان شيء من أنواع السحر | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:37 pm | |
| باب بيان شيء من أنواع السحر
قال أحمد: حدّثنا محمد بن جعفر حدّثنا عَوف عن حَيَّان بن العَلَاء حدثنا قَطَن بن قَبِيْصة عن أبيه، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العِيَافَة والطَّرْق والطِّيَرة من الجِبْت""1". قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يُخط بالأرض. والجبت قال: الحسن: رَنّة الشيطان. إسناده جيد. ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسنَدُ منه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله لما ذكر في الباب الذي قبل هذا السحر، ذكر في هذا الباب شيئاً من أنواعه؛ لكثرة وقوعها، وخفائها على الناس، حتى ظنّوها من كرامات الأولياء، وآل بهم الأمر إلى أن عبدوا أصحابها فوقعوا في الشرك العظيم. التراجم: 1- أحمد هو: الإمام أحمد بن حنبل. 2- محمد بن جعفر هو: المشهور بغُندُر الهُذَليّ البصري ثقةٌ مشهور. 3- عوف هو: ابن أبي جَميلة المعروف بعوفٍ الأعرابي ثقة. 4- عن أبيه هو: قبيصة بن المُخارق الهلالي صحابي مشهور. 5- الحسن هو: الحسن البصريّ. زجر الطير: التفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها. من الجبت: أي: من أعمال السحر. يُخط بالأرض: يخطه الرمالون ويدعون به علم الغيب. الجبت رنّة الشيطان: هذا تفسير للجبت ببعض أفراده. والرنة: الصوت، ويدخل فيه كل أصوات الملاهي، وأضافه إلى الشيطان لأنه يدعو إليه. ولأبي دواد... إلخ: أي: أن هؤلاء رَوَوا الحديث واقتصروا على المرفوع منه ولم يذكروا تفسير عوف. مناسبة الحديث للباب: بيان أن العِيافة والطرْق والطيَرة من الجبت الذي هو السحر المنافي للتوحيد. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم ادعاء علم الغيب؛ لأنه ينافي التوحيد. 2- تحريم الطيرة؛ لأنها تنافي التوحيد أو كماله. 3- تحريم الملاهي بأنواعها؛ لأنها تنافي طاعة الله وكمال توحيده. 4- أن الملاهي بأنواعها –من الأغاني والمزامير وسائر آلات اللهو- من رنّة الشيطان الذي شأنه كله الصد عن سبيل الله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أحمد في المسند "3/477" وأبو داود برقم "3907"، وابن حبان كما في الموارد برقم "1426".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زادَ ما زادَ""1" رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من اقتبسَ: من تعلّم. شعبة: طائفة وقطعة. شعبة من السحر: المعلوم تحريمه. زاد ما زاد: يعني: كلما زاد من علم النجوم زاد له من الإثم مثل إثم الساحر أو زاد من اقتباس شعب السحر مثل ما زاد من اقتباس علم النجوم. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- في هذ الحديث خبراً معناه النهيُ والتحذيرُ أن من تعلّم شيئاً من التنجيم فقد تعلّم شيئاً من السحر المحرّم، وكلما زاد تعلّمه التنجيم زاد تعلمه السحر؛ وذلك لأن التنجيم تحكمٌ على الغيب، بحيث إن المنجم يحاول اكتشاف الحوادث المستقبلة التي هي من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه. مناسبة الحديث للباب: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر فيه أن التنجيم نوعٌ من أنواع السحر. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم التنجيم الذي هو الإخبار عن المستقبل اعتماداً على أحوال النجوم؛ لأنه من ادعاء علم الغيب. 2- أن التنجيم من أنواع السحر المنافي للتوحيد. 3- أنه كلما زاد تعلّمه للتنجيم زاد تعلّمه للسحر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "3905" وابن ماجه برقم "3726"، وأحمد في مسنده "1/277، 311".
وللنسائي من حديث أبي هريرة: "من عقد عُقدة ثم نفث فيها فقد سَحَر، ومن سحر فقد أشرك، ومَنْ تعلَّقَ شيئاً وُكل إليه""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من عقد عقدة: على شكل ما يفعله السحرة من عقدِ الخيوط ونحوها. ونفَث فيها: النفث هو: النفخ مع ريقٍ وهو دون التفل. فقد سحَر: أي: فعل السحر المحرم. ومن سحر فقد أشرك: لأن السحر لا يتأتى بدون الشرك؛ لأنه استعانة بالشياطين. ومن تعلّق شيئاً وُكل إليه: أي: من تعلق قلبه بشيء واعتمد عليه وكله الله إلى ذلك الشيء وخذله. معنى الحديث إجمالاً: يبين –صلى الله عليه وسلم- نوعاً من أنواع السحر وحكمَه، محذراً أمته من تعاطيه. فيقول: إن من أنواع السحر أن يعقد العقد في الخيوط ونحوها، وينفخ في تلك العُقد نفخاً مصحوباً بالريق؛ وذلك أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط، ونفثوا على كل عقدةٍ حتى ينعقد ما يريدون من السحر، فتتكيف نفسه الخبيثة بالشر، ويستعين بالشياطين، وينفخ في تلك العقد، فيخرج من نفسه الخبيثة نفَسٌ مقترنٌ بالريق الممازج للشر، ويستعين بالشياطين فيصيب المسحورَ بإذن الله الكونيّ القدريّ. مناسبة الحديث للباب؛ أن فيه بيان نوع من أنواع السحر، وهو سحر العقد المسمى بالعزيمة. ما يستفاد من الحديث: 1- بيان نوع من أنواع السحر وهو ما كان بواسطة العقد والنفث. 2- أن السحر شركٌ؛ لأنه استعانة بالشياطين. 3- أن من اعتمد على غير الله خذله الله وأذله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه النسائي، وللجزء الأخير من الحديث شواهد يتقوى بها أخرج الشاهد الترمذي برقم "2073" وأحمد "4/310، 311" والحاكم "4/216".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا هل أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي: النميمة القالةُ بين الناس""1". رواه مسلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ألا: أداة تنبيه. أنبئكم: أخبركم. العضْهُ: بفتح العين وسكون الضاد مصدر عَضَه يعْضَهُ عضْهاً بمعنى كذَب وسحر والمراد به هنا: السحر. النميمة: نقل الحديث على وجه الإفساد. القالة: كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس بما يُحكى للبعض عن البعض. المعنى الإجمالي للحديث: أراد –صلى الله عليه وسلم- أن يحذّر أمته عن السعاية بين الناس بنقل حديث بعضهم في بعض على وجه الإفساد، فافتتح حديثه بصيغة الاستفهام، ليكون أوقع في النفوس وأدعى للانتباه، فسألهم ما العَضْهُ –أي ما السحر- ثم أجاب عن هذا السؤال –بأن العضه هو نقل الخصومة بينهم؛ لأن ذلك يفعل ما يفعله السحر من الفساد وتفريق القلوب. مناسبة الحديث للباب: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بيّن فيه أن النميمة نوعٌ من أنواع السحر.
ما يستفاد من الحديث: 1- أن النميمة نوعٌ من أنواع السحر؛ لأنها تفعل ما يفعله السحر من التفريق بين القلوب والإفساد بين الناس –لا أن النمام يأخذ حكم الساحر من حيثُ الكفر وغيره. 2- تحريم النميمة، وأنها من الكبائر. 3- التعليم على طريقة السؤال والجواب، لأن ذلك أثبتُ في الذهن وأدعى للانتباه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه مسلم برقم "2606".
ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من البيان لسحراً""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ البيان: البلاغة والفصاحة. لسحراً: أي: يعمل عمل السحر، فيجعل الحق في قالب الباطل والباطلَ في قالب الحق، فيستميل قلوب الجهال. المعنى الإجمالي للحديث: يبين –صلى الله عليه وسلم- نوعاً آخر من أنواع السحر وهو: البيان المتمثل في الفصاحة والبلاغة؛ لما يُحدِثه هذا النوع من أثر في القلوب والأسماع؛ حتى ربما يصور الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق؛ كما يفعل السحر. والمراد ذمّ هذا النوع من البيان الذي يلبس الحق بالباطل ويموّه على السامع. مناسبة الحديث للباب: أن فيه بيانَ نوع من أنواع السحر وهو بعض البيان. ما يستفاد من الحديث: 1- بيان نوع من أنواع السحر وهو البيان الذي فيه التمويه. 2- ذمّ هذا النوع من البيان –وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل الباطل ويدحضه فهو ممدوح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "5146" ومسلم برقم "869".
يتبع باب ما جاء في الكهّان ونحوهم
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:38 pm | |
| باب ما جاء في الكهّان ونحوهم
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء فصدّقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الكهان: جمع كاهن وهو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل اعتماداً على الاستعانة بالشياطين. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لما كان الكهان ونحوهم يدّعون علم الغيب الذي قد اختص به الله تعالى، وذلك دعوى مشاركة الله تعالى في علم الغيب، أراد المصنف أن يبين في هذا الباب ما جاء في حقهم وحق من صدّقهم من الوعيد. ما جاء في الكهان: أي: من التغليظ والوعيد. ونحوهم: كالعرافين والمنجّمين والرمّالين. عن بعض أزواج النبي: هي: حفصة. لم تقبل له صلاة: أي: لا ثواب له فيها. المعنى الإجمالي للحديث: يبين –صلى الله عليه وسلم- الوعيد المترتب على الذهاب إلى الكهان ونحوهم لسؤالهم عن المغيبات التي لا يعلمها إلا الله، أن جزاءَ من فعل ذلك حرمانُه من ثواب صلاته لمدة أربعين يوماً؛ لتلبّسه بالمعصية. وفي هذا وعيد شديد ونهيٌ أكيد عن هذا الفعل، مما يدل على أنه من أعظم المحرمات، وإذا كان هذا جزاءُ من أتى الكاهن فكيف بجزاء الكاهن نفسه! نعوذ بالله من ذلك ونسأل الله العافية. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن إتيان الكُهّان ونحوهم، وعن تصديقهم لمنافاته للتوحيد. ما يستفاد من الحديث: 1- المنع من الذهاب إلى الكهان وسؤالهم عن المغيبات وتصديقهم في ذلك وأنه كفر. 2- تحريم الكهانة، وأنها من الكبائر. فائدة؛ من ذهب إلى الكهّان ولم يصدقهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما جاء في ذلك الحديث الآخر وأما من صدّقهم فقد كفر بما أنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم-. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه مسلم برقم "2240" وأحمد في مسنده "4/68"، "5/380".
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-""1" رواه أبو داود. وللأربعة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-""2". ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود موقوفاً"3". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بما أُنزل على محمد: أي: الكتاب والسنة. المعنى الإجمالي للحديث بروايتيه: الوعيد الشديد على إتيان الكهان والعرافين لسؤالهم عن المغيبات وتصديقهم في ذلك؛ لأن علم الغيب قد اختص الله تعالى به. فمن أتاهم وصدّقهم فقد كفر بالوحي المنزّل على محمد –صلى الله عليه وسلم-. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن إتيان الكهّان والعرافين وبيان الوعيد في ذلك. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين وسؤالهم ووجوب الابتعاد عنهم؛ لأن ذلك كفرٌ إذا صدقهم، ومحرمٌ إذا لم يصدقهم. 2- وجوب تكذيب الكهان والمنجمين. 3- من أتاهم وصدقهم فقد كفر بالوحي المنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم-. 4- أنه الكهانة شرك؛ لأنها تتضمن دعوى مشاركة الله تعالى في علم الغيب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "3904" وأحمد في مسنده "2/408، 429، 476". "2" أخرجه الحاكم في المستدرك "1/8" وأحمد في المسند "2/429". "3" أخرجه أبو يعلى في مسنده "رقم 5408" والبزار كما في الكشف "رقم 2067" وقال الهيثمي في مجمع الزوائد "5/118": رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن يريم وهو ثقة.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ليس منا من تَطيّر أو تُطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-""1" رواه البراز بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: "ومن أتى" إلى آخره. قال البغوي: العرَّاف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك -وقيل: هو الكاهن. والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير. وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجِّم والرّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ليس منا: أي: لا يفعل هذا من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا المقتفين لشرعنا. من تطيّر: فَعل الطيرة. أو تُطير له: أمر من يُتطير له. ومثله بقية الألفاظ. المعنى الإجمالي للحديث: يقول –صلى الله عليه وسلم-: لا يكون من أتباعنا المتبعين لشرعنا من فعل الطيرة أو الكهانة أو السحر أو فُعلت له هذه الأشياء؛ لأن فيها ادعاء لعلم الغيب الذي اختص الله به، وفيها إفساد للعقائد والعقول، ومن صدّق من يفعل شيئاً من هذه الأمور فقد كفر بالوحي الإلهي الذي جاء بإبطال هذه الجاهليات ووقاية العقول منها. ويلحق بذلك ما يفعله بعض الناس من قراءة ما يسمّى بالكف، أو ربط سعادة الإنسان وشقائه وحظّه بالبروج ونحو ذلك. وقد بين كلٌّ من الإمامين البغوي وابن تيمية معنى العرّاف والكاهن المنجم والرّمّال بما حاصلُه: أن كل من يدعي علم شيءٍ من المغيبات فهو إما داخلٌ في اسم الكاهن أو مشاركٌ له في المعنى فيلحق به، والكاهن هو الذي يخبر عما يحصل في المستقبل ويأخذ عن مسترق السمع من الشياطين كما سبق في أول كتاب التوحيد. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي والتغليظ عن فعل الكهانة ونحوها وتصديق أهلها. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم ادعاء علم الغيب؛ لأنه ينافي التوحيد. 2- تحريم تصديق من يفعل ذلك بكهانةٍ أو غيرها؛ لأنه كفرٌ. 3- وجوب تكذيب الكهان ونحوهم ووجوب الابتعاد عنهم وعن علومهم. 4- وجوب التمسك بما أُنزل على الرسول –صلى الله عليه وسلم- وطرح ما خالفه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "5/117": رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة.
وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد، وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق"1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يكتبون أبا جاد: أي: يقطعون حروف "أبجد هوز... إلخ" التي تسمى حروف الجمل ويتعلمونها لادعاء علم الغيب. وينظرون في النجوم: أي: ويعتقدون أن لها تأثيراً فيبنون أمورهم على زعمٍ فاسدٍ واعتقادٍ باطل في النجوم والحساب الذي يظنون أنهم يدركون به علم الغيب. ما أرى: بفتح الهمزة بمعنى: لا أعلم، وبضمها بمعنى: لا أظن. من خلاق: من نصيب. المعنى الإجمالي للأثر: يقول ابن عباس: لا أعلم ولا أظن أن من يكتب حروف أبا جاد وينظر في النجوم ويبني على ذلك الحكم على المستقبل، ما أرى لمن فعل ذلك نصيباً عند الله؛ لأن ذلك يدخل في حكم العرّافين المدّعين لعلم الغيب. مناسبة الأثر للباب: أنه يدل على أن كتابة أبا جاد وتعلّمها لمن يدعي بها معرفة علم الغيب والنظر في النجوم على اعتقاد أن لها تأثيراً، كل ذلك يدخل في العرافة ومن فعله فقد أضاع نصيبه من الله. ما يستفاد من الأثر: 1- تحريم تعلّم أبي جاد على وجه ادعاء علم الغيب به؛ لأنه ينافي التوحيد. أما تعلّمها للتهجّي وحساب الجمل فلا بأس به. 2- تحريم التنجيم؛ لأنه وسيلةٌ إلى الشرك بالله تعالى. 3- عدم الاغترار بما يُؤتاه أهل الباطل من معارفهم وعلومهم. لأن ذلك من باب الاستدراج لهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "5/118": رواه الطبراني وفيه خالد بن يزيد العمري وهو كذاب.
يتبع باب ما جاء في النُّشْرَة | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:39 pm | |
| باب ما جاء في النُّشْرَة عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سئل عن النشرة فقال: "هي من عمل الشيطان""1" رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لمّا ذكر المصنف حكم السحر والكهانة، ذكر في هذا الباب ما جاء في النُّشرة؛ لأنها قد تكون من قبَل الشياطين والسحرة، فتكون مضادة للتوحيد. النُّشْرة: نوع من العلاج والرقية يعالَج به من كان يظن أن به مسّاً من السحر؛ سميت بذلك لأنها ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يُكشف ويزال. سئل عن النشرة: أي: النشرة التي كان أهل الجاهلية يعملونها. هي من عمل الشيطان: لأنهم ينشرون عن المسحور بأنواع من السحر واستخداماتٍ شيطانية. يكره هذا كله: أي: النشرة التي هي من عمل الشيطان. المعنى الإجمالي للحديث: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل عن علاج المسحور على الطريقة التي كانت تعلمها الجاهلية ما حكمه، فأجاب –صلى الله عليه وسلم- بأنه من عمل الشيطان أو بواسطته؛ لأنه يكون بأنواع سحرية واستخداماتٍ شيطانيةٍ، فهي شركية ومحرمة. مناسبة الحديث للباب: أنه دل على تحريم النشرة التي هي من عمل الشيطان وهي نُشرة الجاهلية. ما يستفاد من الحديث: 1- النهي عن النشرة على الصفة التي تعملها الجاهلية؛ لأنها سحر والسحر كفر. 2- مشروعية سؤال العلماء عما أشكل حكمه؛ حذراً من الوقوع في المحذور. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "3868" وأحمد في المسند "3/294". وفي البخاري عن قتادة: قلت لابن المسيّب: رجل به طِبّ أو يؤَخَّذ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنَشَّر؟ قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه. ورُوي عن الحسن أنه قال: لا يَحُلُّ السحر إلا ساحر. قال ابن القيم: النُّشْرة: حل السحر عن المسحور -وهي نوعان: إحداهما: حلٌّ بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يُحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمُنْتَشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة قتادة: هو ابن دُعامة السدوسي البصري ثقة من أحفظ التابعين، مات سنة بضع عشرة ومائة. به طبٌّ: بكسر الطاء أي سحرٌ –كنوا عنه بالطب تفاؤلاً. يؤَخَّذ: بفتح الواو مهموزة وتشديد الخاء –أي: يُحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها. لا بأس به: أي: بمعالجته بأمور مباحة لم يُرد بها إلا المصلحة ودفع المضرة. لا يَحُل السحر إلا ساحر: أي: لا يقدر على حلِّه إلا من يعرف السحر. المعنى الإجمالي للأثرين: أن ابن المسيب سُئل عن حكم النشرة فأفتى بجوازها؛ نظراً لأن المقصود منها النفع وزوال الضرر، ولم يُنه عما كان كذلك، ومقصوده نوعٌ من النشرة لا محذور فيه: كالرقى بأسماء الله وكلامه. وأما الحسن فمقتضى كلامه منع النشرة؛ لأنه لا يقدر على حل السحر إلا من له معرفةٌ بالسحر. وهذا محمولٌ على حل السحر بسحرٍ مثله، وهو من عمل الشيطان. وفي التفصيل الذي ذكره ابن القيم جمعاً بين القولين –حاصله: أن علاج المسحور بأدوية مباحة وقراءة قرآن أمر جائز – وعلاجه بسحر مثله محرم. والله أعلم. مناسبة الأثرين للباب: بيان التفصيل في حكم النشرة وبيان الجائز والممنوع منها.
يتبع باب ما جاء في التطيُّر
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:39 pm | |
| باب ما جاء في التطيُّر
وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 131] وقوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: 19]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية الثانية: {أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [يس: 19]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لما كانت الطيرة نوعاً من الشرك الذي يتنافى مع التوحيد أو ينقص كماله عقد المصنف لها هذا الباب في كتاب التوحيد تحذيراً منها. ما جاء في التطير: أي: من الوعيد –والتطير: مصدر تطيرَ- وهو التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع. ألا: أداة تنبيه. إنما: أداة حصر. طائرهم: ما قُضي عليهم وقُدِّر لهم. عند الله: أي: إنما جاءهم الشؤم من قبله وبحكمه الكوني القدري بسبب كفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله. لا يعلمون: وصفٌ لهم بالجهالة وعدم العلم وأنهم لا يدرون. طائركم: أي: حظكم وما نابكم من شرّ. معكم: أي: بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين. أئن ذكرتم: أي: من أجل أنا ذكرناكم قابلتمونا بقولكم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: 18]. بل أنتم قوم مسرفون: عادتكم الإسراف في العصيان فمن ثمّ جاءكم الشؤم. والسرف: الفساد وهو مجاوزة الحد في مخالفة الحق. المعنى الإجمالي للآيتين: الآية الأولى: لمّا كان قوم فرعون إذا أصابهم غلاء وقحط قالوا: هذا أصابنا بسبب موسى وأصحابه وبشؤمهم –رد الله تعالى عليهم بأن ما أصابهم من ذلك إنما هو بقضائه وقدره عليهم بكفرهم، ثم وصف أكثرهم بالجهالة وعدم العلم، ولو فهموا وقلوا لعلموا أن موسى ما جاء إلا بالخير والبركة والفلاح لمن آمن به واتبعه. 2- الآية الثانية: أن الله سبحانه رد على من كذّب الرسل فأصيب بالبلاء، ثم ادعى أن سببه جاء من قبل الرسل وبسببهم، فبيّن الله سبحانه أن سبب هذا البلاء من قِبَل أنفسهم، وبسبب أفعالهم وكفرهم، لا من قبَل الرسل كما ادَّعوا. وكان اللائق بهم أن يقبلوا قول الناصحين ليسلموا من هذا البلاء؛ لكنهم قومٌ متمادون في المعاصي فمن ثَم جاءهم الشؤم والبلاء. مناسبة الآيتين للباب: أن الله ذكر أن التطير من عمل الجاهلية والمشركين، وقد ذمهم الله تعالى ومقَتهم. ما يستفاد من الآيتين: 1- أن التطير من عمل الجاهلية والمشركين. 2- إثبات القضاء والقدر والإيمان بهما. 3- أن المصائب بسبب المعاصي والسيئات. 4- في الآية الأولى: ذمٌّ للجهل؛ لأنه يؤدي إلى عدم معرفة الشرك ووسائله، ومن ثمّ الوقوع فيه. 5- في الآية الثانية: وجوب قبول النصيحة؛ لأن عدم قبولها من صفات الكفار. 6- أن ما جاءت به الرسل فهو الخير والبركة لمن اتبعه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى، ولا طِيَرة، ولا هامة، ولا صَفَر" أخرجاه"1". زاد مسلم: "ولا نَوْء، ولا غُول""2". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا عدوى: العدوى اسمٌ من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفيّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العلة تسري بطبْعها لا بقدر الله. ولا طيَرة: الطيرة هي: التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص و-ولا- يحتمل أن تكون نافية أو ناهية والنفي أبلغ. ولا هامة: الهامة بتخفيف الميم: البُومة كانوا يتشاءمون بها، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله. ولا صفر: قيل المراد به: حيةٌ تكون في البطن تصيب الماشية والناس، يزعمون أنها أشد عدوى من الجرب، فجاء الحديث بنفي هذا الزعم، وقيل المراد: شهر صفر كانوا يتشاءمون به، فجاء الحديث بإبطال ذلك. ولا نَوْءَ: سيأتي بيان ذلك في بابه إن شاء الله. ولا غُول: الغُول جنسٌ من الجن والشياطين، يزعمون أنها تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فجاء الحديث بإبطال ذلك، وبيان أنها لا تستطيع أن تضل أحداً أو تهلكه.
المعنى الإجمالي للحديث: ينفي –صلى الله عليه وسلم- ما كانت تعتقده الجاهلية من اعتقادات باطلة من التشاؤم بالطيور وبعض الشهور والنجوم وبعض الجن والشياطين، فيتوقعون الهلاك والضرر منها؛ كما كان يعتقدون سريان الأمراض من محل الإصابة إلى غيرها بأنفسها. فيرد –صلى الله عليه وسلم- كل هذه ال***فات، ويغرس مكانها التوكل على الله وعقيدة التوحيد الخالص. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على إبطال الطيرة، وأنها اعتقادٌ جاهليٌّ. ما يستفاد من الحديث: 1- إبطال الطيرة. 2- إبطال اعتقاد الجاهلية أن الأمراض تُعدي بطبيعتها لا بتقدير الله تعالى. 3- إبطال التشاؤم بالهامة وشهر صفر. 4- إبطال اعتقاد تأثير الأنواء. 5- إبطال اعتقاد الجاهلية في الغيلان. 6- وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه. 7- أن من تحقيق التوحيد الحذر من الوسائل المفضية إلى الشرك. 8- إبطال ما يفعله بعض الناس من التشاؤم بالألوان، كالأسود والأحمر، أو بعض الأرقام والأسماء والأشخاص وذوي العاهات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "5757" ومسلم برقم "2220" "102". "2" أخرجه مسلم برقم "2220" "106".
ولهما عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل" قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الطيبة""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفأل: مهموزٌ فيما يُسِرّ ويسوء بخلاف الطيرة، فلا تكون إلا فيما يسوء. الكلمة الطيبة: كأن يكون الرجل مريضاً فيسمع من يقول: يا سالم. فيؤمل البرء من مرضه. مناسبة ذكر الحديث في الباب: أن فيه بيان أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها. ما يستفاد من الحديث: 1- أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها. 2- تفسيرُ الفأل. 3- مشروعية حسن الظن بالله والنهي عن سوء الظن به. الفرق بين الفأل والطيرة: 1- الفأل يكون فيما يسر. 2- الفأل فيه حسن ظنٍّ بالله، والعبد مأمورٌ أن يحسن الظن بالله. 3- الطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. 4- الطيرة فيها سوء ظن بالله، والعبد منهيّ عن سوء الظن بالله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "5756" ومسلم برقم "2224".
ولأبي داود بسند صحيح عن عروة بن عامر، قال: ذُكِرت الطيرة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: "أحسنها الفأل، ولا تَردّ مسلماً, فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة عروة: هو: عروة بن عامر القرشي، وقيل: الجهَني المكي. ذكره ابن حبان في الثقات. ولا ترد مسلماً: بخلاف الكافر فإنها تردّه عن قصده. لا يأتي بالحسنات... إلخ: أي: ولا تأتي الطيرة بالحسنات ولا تدفع السيئات. ولا حول: الحول: التحول والانتقال من حالٍ إلى حالٍ. ولا قوة: على ذلك. إلا بك: وحدك. المعنى الإجمالي للحديث: يذكر الراوي أن الطيرة ذُكرت عند النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ ليبين حكمَها وما يُعمل حيالَها، فأبطل النبي –صلى الله عليه وسلم- الطيرة، وأخبر أن الفأل منها؛ ولكن خيرٌ منها –وأخبر –صلى الله عليه وسلم- أن الطيرة لا تردُّ مسلماً عن قصده؛ لإيمانه أنه لا ضارّ ولا نافع إلا الله، وإنما ترد المشرك الذي يعتقدها –ثم أرشد –صلى الله عليه وسلم- إلى العلاج الذي تدفع به الطيرة وهو هذا الدعاء المتضمن تعلق القلب وحده في جلب النفع ودفع الضر والتبري من الحول والقوة إلا بالله. مناسبة الحديث للباب: أن فيه إبطال الطيرة وبيان ما تُفع به واستثناء الفأل منها. ما يستفاد من الحديث: 1- إبطال الطيرة وبيان ما تدفع به من الدعاء والذكر. 2- أن ما يقع في القلب من الطيرة لا يضر بل يُذهِبه الله بالتوكل. 3- أن الفأل من الطيرة وهو خيرُها. 4- وجوب التوكل على الله والتبرّي من الحول والقوة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "3719".
وعن ابن مسعود مرفوعاً: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل""1" رواه أبو داود والترمذي وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطيرة شرك: لما فيها من تعلق القلب على غير الله. وما منا إلا: فيه إضمارٌ تقديره: وما منا إلا وقع في قلبه شيءٌ منها. يذهبه بالتوكل: أي: التوكل على الله في جلب النفع ودفع الضر يذهب الطيرة. آخره من قول ابن مسعود: وهو قوله: "وما منا... إلخ" وهو الصواب؛ لأنها شركٌ، والنبي معصومٌ من الشرك. المعنى الإجمالي للحديث: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يخبر ويكرر الإخبار؛ ليتقرر مضمونه في القلوب، أن الطيرة شرك؛ لما فيها من تعلق القلب على غير الله وسوء الظن به. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على أن الطيرة شركٌ. ما يستفاد من الحديث: 1- أن الطيرة شركٌ؛ لأن فيها تعلق القلب على غير الله. 2- مشروعية تكرار إلقاء المسائل المهمة؛ لتحفظَ وتستقر في القلوب. 3- أن الله يذهب الطيرة بالتوكل عليه، فلا تضر من وجد في نفسه شيئاً منها ثم توكَّل على الله ولم يلتفت إليها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "3910" والترمذي برقم "1614" وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ولأحمد من حديث ابن عمرو: "من ردته الطيَرة عن حاجته فقد أشرك"، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: "أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك""1". وله من حديث الفضل بن عباس: "إنما الطيَرة ما أمضاك أو ردك""2". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: 1- ابن عمرو هو: عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أحد السابقين المكثرين. 2- الفضل هو: الفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي –صلى الله عليه وسلم-. فقد أشرك: لأنه لم يُخلص توكله على الله بالتفاته إلى غيره. كفارة ذلك: أي: ما يقع من الطيرة. لا إله غيرك: أي: لا معبود بحقٍّ سواك. إنما الطيرة: أي: المنهي عنها. ما أمضاك: أي: حملك على المضيّ فيما أردت. أو ردّك: عن المضي فيه. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن الطيرة المنهي عنها والتي هي شركٌ، حقيقتها وضابطُها ما حمل الإنسان على المضيّ فيما أراده أو رده عنه اعتماداً عليها، فإذا ردته عن حاجته التي عزِم عليها كإرادة السفر ونحوه فقد ولَج باب الشرك وبرئ من التوكل على الله وفتح على نفسه باب الخوف. ومفهوم الحديث أن من لم تثنِه الطيرة عن عزمه فإنها لا تضره. ثم أرشد –صلى الله عليه وسلم- إلى ما تدفع به الطيرة من الأدعية فيما فيه الاعتماد على الله والإخلاص له في العبادة. مناسبة الحديثين للباب: أن فيهما بياناً لحقيقة الطيرة الشركية. ما يستفاد من الحديثين: 1- أن الطيرة شركٌ. 2- أن حقيقة الطيرة الشركية ما دفعت الإنسان إلى العمل بها. 3- أن ما لم يؤثِّر على عزم الإنسان من التشاؤم فليس بطيَرة. 4- معرفة الذكر الذي تُدفع به الطيرة عن القلب وأهميته للمسلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أحمد "2/220". "2" أخرجه أحمد "1/213".
يتبع باب ما جاء في التنجيم
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:40 pm | |
| باب ما جاء في التنجيم قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يُهتدى بها. فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصِيْبَه، وتكلّف ما لا علم له به""1" انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لمّا كان بعض التنجيم باطلاً، لِما فيه من دعوى مشاركة الله في علم الغيب، وتعلُّق القلب بغير الله، ونسبة التصرف إلى النجوم، وذلك ينافي التوحيد، ناسب أن يُعقد له بابٌ هنا يبين فيه الممنوع والجائز منه، ليكون المسلم على بصيرةٍ من ذلك. ما جاء في التنجيم: أي: ذكرُ ما يجوز منه وما لا يجوز منه وذمُّه وتحريمه وما ورد من الوعيد فيه. والتنجيم هو: الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، وهو ما يسمّى بعلم التأثير. قال البخاري في صحيحه: أي: تعليقاً. خلق الله النجوم لثلاثٍ: هذا مأخوذٌ من القرآن الكريم. زينةً للسماء: إشارة إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5]. ورجوماً للشياطين: إشارة إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5]. وعلامات: أي دلالات على الجهات والبلدان وغير ذلك. يُهتدى بها: أي: يهتدي بها الناس إشارة إلى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]. فمن تأول فيها غير ذلك: أي: من زعم فيها غير ما ذكره الله تعالى في هذه الثلاث فادعى علم الغيب. فقد أخطأ: حيث تكلم رجماً بالغيب. وأضاع نصيبه: أي: حظّه من عمره؛ لأنه اشتغل بما لا فائدة فيه، بل فيه مضرّة. المعنى الإجمالي للأثر: أن قتادة رحمه الله يذكر الحكمة التي خلق الله من أجلها النجوم –كما ذكره الله في كتابه- رداً على الذين ظهروا في عصره، ويعتقدون في النجوم غير ما ذكره خالقها في كتابه. وهؤلاء قالوا بلا علمٍ، وأفنوا أعمارهم فيما يضرّهم، وكلّفوا أنفسهم ما ليس في مقدورها الحصول عليه. وهكذا كل من طلب الحق من غير الكتاب والسنة. مناسبة الأثر للباب: أن فيه بيان الحكمة في خلق النجوم –كما ذكرها الله في كتابه- والرد على من زعم في النجوم حكمةً تخالف ما ذكره الله فيها. ما يستفاد من الأثر: 1- بيان الحكمة في خلق النجوم كما دلّ عليها القرآن. 2- الرد على من زعم أن النجوم خُلقت لحكمة غير ما ذكر الله فيها. 3- أنه يجب الرجوع إلى كتاب الله؛ لبيان الحق من الباطل. 4- أن من طلب الهدى من غير الكتاب والسنة فقد الصواب وضيّع وقته وتكلّف ما لا قدرة له في الوصول إليه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري معلقاً في كتاب بدء الخلق، باب في النجوم "ص 614" ط بيت الأفكار الدولية. وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: 1- ابن عيينة: أي: سفيان بن عيينة. 2- حربٌ: أي: حربٌ الكرمانيّ من جلة أصحاب أحمد. 3- أحمد: أي الإمام أحمد بن حنبل. 4- وإسحاق: أي: إسحاق بن راهَوَيْه. منازل القمر: التي ينزل القمر في كل ليلة منزلة منها، وهي ثمانٍ وعشرون منزلة، ومعرفة ذلك تسمى بعلم التسيير. الغرض من هذا السياق: بيان خلاف العلماء في حكم تعلم منازل القمر الذي هو: "علم التسيير" الذي الغرض منه الاستدلال به على القبلة، وأوقات الصلوات، ومعرفة الفصول. فإذا كان هذا اختلافهم في هذا النوع الذي لا محذور فيه حسْماً للمادة؛ -لئلا يتوصل إلى الممنوع- فما بالك بمنعهم من تعلُّم علم التأثير الذي هو ضلالٌ وخطَرٌ.
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدِّق بالسحر""1" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة أبي موسى: هو أبو موسى الأشعريّ عبد الله بن قيس، صحابي جليل مشهور، مات بالكوفة سنة 50 هـ. لا يدخلون الجنة: هذا من نصوص الوعيد التي تُمر كما جاءت. مدمن الخمر: المداوم على شربها حتى مات ولم يتب. قاطع الرحم: أي: الذي لا يقوم بواجب القرابة. ومصدِّقٌ بالسحر: الذي من أنواعه التنجيم، كما مر في الحديث: "من اقتبس شُعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر". المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- على وجه التحذير أن ثلاثةً من العصاة لا يدخلون الجنة: الأول: المداوم على شرب المسكر من أيّ شيء كان. الثاني: الذي لا يقوم بواجب القرابة التي أمر الله بصلتها. الثالث: مصدِّقٌ بالسحر الذي يجمع أنواعاً كثيرة وأشكالاً متعددة. ومنها التنجيم. مناسبة الحديث للباب: أن فيه وعيد مصدق بالسحر، ومنه التنجيم الذي هو موضوع الباب.
ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم التنجيم وأنه من الكبائر؛ لأنه داخلٌ في السحر الذي لا يدخل الجنة من صدّق به. 2- تحريم شرب الخمر والوعيد الشديد في حقّ من مات ولم يتُب من شربها. 3- وجوب صلة القرابة وتحريم قطيعتها. 4- وجوب التكذيب بالسحر بجميع أنواعه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أحمد في المسند "4/399" وابن حبان في موارد الظمآن برقم "1380، 1381".
يتبع باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:41 pm | |
| باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لمّا كان نسبة نزول المطر إلى النوء على وجه الاعتقاد –أن له تأثيراً في نزوله- شركاً أكبر كاعتقاد جلب النفع أو دفع الضر في الأموات والغائبين، أو شركاً أصغر إن كان لا يعتقد أن لها تأثيراً وإنما هي أسباب لنزول المطر ناسب أن يَعقد له المصنف باباً في كتاب التوحيد للتحذير منه. ما جاء: أي: من الوعيد. في الاستسقاء: أي: طلب السقيا ومجيء المطر. بالأنواء: جمع نَوء –وهي منازل القمر- وهي ثمانية وعشرون منزلة ينزل القمر كل ليلة منزلة منها، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] وهي عبارة عن ثمانية وعشرين نجماً معروفة المطالع في كل ثلاثة عشر يوماً يغيب واحدٌ منها مع طلوع الفجر. ويطلع رقيبه من المشرق وتنقضي كلها مع انقضاء السنة القمرية، وتزعم العرب في الجاهلية أنه إذا غاب واحدٌ منها وطلع رقيبه يكون مطرٌ وينسبونه إلى طلوع النجم أو غروبه ويقولون: مُطرنا بنوء كذا. وتجعلون رزقكم: أي: تجعلون نصيبكم –من شكر نعمة الله بإنزال المطر – التكذيب. أنكم تكذبون: بنسبة النعم لغير الله من الكواكب فتقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا. المعنى الإجمالي للآية: أن الله سبحانه وتعالى يعيب على المشركين كفرَهم بنعمة الله بنسبة نزول المطر إلى النجم، ويخبرُ أن هذا القول كذبٌ محضٌ؛ لأن نزول المطر إنما هو بفضل الله وتقدير ولا دخل فيه لمخلوق. مناسبة الآية للباب: أن الله سبحانه أنكر نزول المطر إلى غيره من النجوم والأنواء وسمّاه كذباً. ما يستفاد من الآية: 1- إبطال نسبة نزول المطر إلى الأنواء. 2- أن نسبة نزول المطر إلى النوء كذب. 3- وجوب شكر الله على نعمه ووجوب نسبة نزول المطر إليه تفضلاً منه وإحساناً.
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "أربعة في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت". وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقام يوم القيامة وعليها سِرْبال من قَطرَان ودرع من جَرَب""1". رواه مسلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ- ترجمة أبي مالك: اسمه الحارث بن الحارث الشامي صحابي. من أمر الجاهلية: المراد بالجاهلية هنا ما قبل البعثة؛ سمُّوا بذلك لفرط جهلهم، وكل ما يخالف ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- فهو جاهليّة. لا يتركونهن: أي: ستفعلها هذه الأمة إما مع العلم بتحريمها أو مع الجهل بذلك. الفخر بالأحساب: أي: التعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم. والطعن في الأنساب: أي: الوقوع فيها بالعيب والتنقص. والاستسقاء بالنجوم: أي: نسبة السقيا ومجيء المطر إلى النجوم والأنواء. والنياحة: أي: رفع الصوت والندب إلى الميت. تقام يوم القيامة: تبعث من قبرها وتوقف يوم الحساب والجزاء. سربال من قطران: أي: ثوبٌ من نحاس مذاب تلطّخ به فيصير كالثوب. دِرع: الدرع: ثوب ينسج من حديد، يلبس في الحرب.من جَرَب: الجرب مرض جِلدي. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه سيستمر في الأمة شيءٌ من المعاصي التي كان يفعلها الناس قبل البعثة، وذلك يتمثل في أربع خصال هي: التعاظم بالآباء مع أنه لا شرف إلا بالتقوى، وتنقّص أنساب الناس وعيبُها، ونسبة نزول المطر إلى طلوع النجوم والأنواء، ورفع الصوت بالبكاء على الميت وندبه. ثم يبين الوعيد في حق الخصلة الأخيرة بأن من استمر عليها من غير توبة فإنه يأتي يوم القيامة ملطخاً جسمُه بالنحاس المذاب حتى يكون ذلك كالقميص، لتشتعل به النار، وتلتصق بجسمه وتنتن رائحته. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على تحريم الاستسقاء بالأنواء، وأنه من أمور الجاهلية. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الاستسقاء بالأنواء، وأنه من أمور الجاهلية. 2- أن ما كان من أمر الجاهلية لا يتركه الناس كلهم. 3- أن ما كان من أمر الجاهلية وفعلِهم فهو مذمومٌ في دين الإسلام. 4- منع التشبه بالجاهلية. 5- تحريم الافتخار بالأحساب، وأنه من أمور الجاهلية. 6- تحريم الوقوع في الأنساب بذمّها وتنقّصها. 7- تحريم النياحة وبيان عقوبتها وأنها من الكبائر. 8- التوبة تكفر الذنب وإن عظُم. 9- أن المسلم قد يكون فيه شيء من خصال الجاهلية ولا يقتضي ذلك كفرُه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه مسلم برقم "934". ولهما عن زيد بن خالد قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب""1". ولهما من حديث ابن عباس بمعناه وفيه: قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله: {تُكَذِّبُونَ}. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة زيد بن خالد: هو الجهني المدني صحابيّ مشهور. صلى لنا: أي: صلى بنا، فاللام بمعنى الباء. الحديبية: قريةٌ سميت ببئر هناك على مرحلة من مكة، تسمى الآن الشميسي. إثر: بكسر الهمزة ما يعقب الشيء. سماءٌ: مطرٌ سمي بذلك؛ لأنه ينزل من السماء وهي كل ما ارتفع. من الليل: أي: كان في تلك الليلة. فلما انصرف: أي: التفت إلى المأمومين وليس المراد الانصراف من المكان. أتدرون؟ لفظ الاستفهام معناه التنبيه. من عبادي: المراد العبودية العامة. وكافرٌ: أي الكفر الأصغر. مُطرنا بنوء كذا وكذا: أي: نسب المطر إلى غير الله وهو يعتقد أن المنزل له هو الله. صدق نوء كذا وكذا: أي: صدق سحاب ومطر النجم الفلاني. فلا أقسم: هذا قسمٌ من الله عز وجل وهو يقسم بما شاء من خلقه. بمواقع النجوم: أي: مطالع الكواكب ومغاربها على قول الأكثر من المفسرين. المعنى الإجمالي للحديث: يذكر لنا هذا الصحابي الجليل ما كان من إرشاد النبي –صلى الله عليه وسلم- لأمته، بمناسبة نزول المطر، وما ينبغي لهم أن يقولوه عند ذلك، فيروي –صلى الله عليه وسلم- عن ربه أنه حينما امتحن الناس بإنعامه عليهم بإنزال الغيث الذي فيه حياتهم، انقسموا إلى قسمين: قسمٌ اعترف بفضل الله ونسب النعمة إليه على وجه الشكر. وقسمٌ أنكر فضل الله ونسب النعمة إلى طلوع النجم أو غروبه وسُمي عمل إيماناً وعمل الثاني كفراً. وفي رواية ابن عباس أن هذه الآيات وهي قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} وما بعدها نزلت في إنكار نسبة نزول المطر إلى النجوم.
مناسبة الحديث للباب: أن فيه تحريم نسبة المطر إلى النجم وتسميته كفراً وكذباً. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم نسبة نزول المطر إلى النجم وتسميته كفراً. 2- مشروعية تعليم الناس وتنبيههم على ما يخل بالعقيدة. 3- وجوب شكر الله على النعمة، وأنه لا يجوز إضافتها إلى غيره. 4- إلقاء التعليم على طريقة السؤال والجواب؛ لأنه أوقع في النفس. 5- أن من سُئل عما لا يعلم فإنه يتوقف ويكل العلم إلى عالمه. 6- وصف الله بالفضل والرحمة. 7- أن من الكفر ما لا يخرج من الملة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "846" ومسلم برقم "71".
يتبع باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} الآية. | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 2:42 pm | |
| باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لمّا كانت محبته سبحانه هي أصل دين الإسلام، فبكمالها يكمل دين الإنسان، وبنقصها ينقص توحيد الإنسان، نبّه المصنف على ذلك بهذا الباب. أنداداً: أمثالاً ونظراء. يحبونهم كحب الله: أي: يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم. والذين آمنوا أشد حباً لله: أي: من حب أصحاب الأنداد لله. وقيل: من حب أصحاب الأنداد لأندادهم. معنى الآية إجمالاً: يكذر تعالى حال المشركين في الدنيا، وما لهم في الآخرة من العذاب، حيث جعلوا لله أمثالاً ونظراء من خلقه يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم. ويذكر سبحانه أن المؤمنين يخلصون المحبة لله كما يخلصون له سائر أنواع العبادة. ما يستفاد من الآية: 1- أن من اتخذ ندّاً تساوى محبته بمحبة الله فهو مشركٌ الشرك الأكبر. 2- أن من المشركين من يحب الله حباً شديداً ولا ينفعه ذلك إلا بإخلاص المحبة لله.
وقوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ...} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الآية كاملة: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
عشيرتكم: أقرباؤكم مأخوذ من العِشرة. اقترفتموها: اكتسبتموها. كسادها: فوات وقت نفاقها ورواجها. ومساكن: منازل. ترضونها: تعجبكم الإقامة فيها. أحب إليكم: أي: إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله. فتربّصوا: أي: انتظروا ما يحل بكم من عقابه. معنى الآية إجمالاً: أمر الله نبيه أن يتوعد من أحب هذه الأصناف فآثرها أو بعضها على حب الله ورسوله وفعل ما أوجب الله عليه من الأعمال التي يحبها ويرضاها، كالهجرة والجهاد ونحو ذلك، فبدأ الله بالآباء والأبناء والإخوان وكذا الأصدقاء ونحوهم فمن ادّعى محبة الله وهو يقدم محبة هذه الأشياء على محبته فهو كاذب ولينتظر العقوبة. مناسبة الآية للباب: أن فيها وجوب تقديم محبة الله ومحبة ما يحبه الله من الأشخاص والأعمال على محبة ما سوى ذلك. ما يستفاد من الآية: 1- وجوب محبة الله تعالى ومحبة ما يحبه. 2- وجوب حب النبي –صلى الله عليه وسلم-. 3- الوعيد على من كانت هذه الثمانية أو غيرها أحب إليه من دينه.
عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين""1" أخرجاه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا يؤمن أحدكم: أي: الإيمان الكامل. حتى أكون أحب إليه: بنصب أحب خبر أكون. والناس أجمعين: من عطف العام على الخاص. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن أحداً لن يؤمن الإيمان الكامل الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة حتى يقدم محبة الرسول –صلى الله عليه وسلم على محبة أقرب الناس إليه، وعلى محبة كل مخلوق، لأن بسببه –صلى الله عليه وسلم- حصول الحياة الأبدية، والإنقاذ من الضلال إلى الهدى، ومحبته –صلى الله عليه وسلم- تقتضي طاعته واتباع ما أمر به وتقديم قوله على قول كل مخلوق. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على وجوب تقديم محبة الرسول –صلى الله عليه وسلم- على محبة كل مخلوق، وأن تحقيق الإيمان مشروط بذلك. ما يستفاد من الحديث: 1- وجوب محبة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وتقديمها على محبة كل مخلوق. 2- أن الأعمال من الإيمان؛ لأن المحبة عمل القلب وقد نُفي الإيمان عمّن لم يكن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أحب إليه مما ذُكر. 3- أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام. 4- أن الإيمان الصادق لا بد أن يظهر أثره على صاحبه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "15" ومسلم برقم "44".
ولهما عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله رسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار". وفي رواية: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى ...""1" إلى آخره. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولهما عنه: أي: وللبخاري ومسلم عن أنس. ثلاثٌ من كنّ فيه: أي: ثلاث خصال من وُجدن فيه. وجاز الابتداء بثلاث؛ وإن كانت نكرة لأنها على نية الإضافة. وجد بهن حلاوة الإيمان: لما يحصل له من لذة القلب ونعيمه وسروره. أحب إليه: منصوبٌ على أنه خبر يكون. مما سواهما: مما يحبه الإنسان بطبعه كالولد والأزواج ونحو ذلك. أن يحب المرء: الذي يعتقد إيمانه وعبادته. لا يحبه إلا الله: أي: لأجل طاعة الله. أن يعود في الكفر: أي: يرجع إليه. كما يكره أن يلقى في النار: يعني: يستوي عنده الأمران الإلقاء في النار أو العودة في الكفر. وفي رواية: أي: للبخاري. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن المسلم إذا توفّرت فيه ثلاث خصال هي: تقديم محبة الله ورسوله على محبة ما سواهما من أهل ومال. ويحب من يحبه من الناس من أجل إيمانه وطاعته لله لا لغرض دنيوي ويكره الكفر كراهيةً متناهيةً بحيث يستوي عنده الإلقاء في النار والرجوع إليه. من توفرت هذه الخصال الثلاث فيه ذاق حلاوة الإيمان فيستلذ الطاعات ويتحمل المشقات في رضا الله. مناسبة الحديث للباب: أن فيه فضيلة تقديم محبة الله ورسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- على محبة ما سواهما. ما يستفاد من الحديث: 1- فضيلة تقديم محبة الله ورسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- على كل شيء. 2- فضيلة المحبة في الله. 3- أن المؤمنين يحبون الله تعالى محبة خالصة. 4- أن من اتصف بهذه الخصال الثلاث فهو أفضل ممن لم يتصف بها ولو كان المتصف بها كافراً فأسلم أو كان مذنباً فتاب من ذنبه. 5- مشروعية بغض الكفر والكافرين؛ لأن من أبغض شيئاً أبغض من اتصف به. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "16" ومسلم برقم "43". وعن ابن عباس رضي الله عنهما- قال: "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً""1" رواه بن جرير. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: 166] قال: المودة"2". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أحب في الله: أي: أحب المؤمنين من أجل إيمانهم بالله. ووالى في الله: أي: والى المؤمنين بنصرتهم واحترامهم وإكرامهم. وأبغض في الله: أي: أبغض الكفار والفاسقين لمخالفتهم لربهم. وعادى في الله: أي: أظهر العداوة للكفار بالفعل كجهادهم والبراءة منهم. ولاية الله: بفتح الواو تولّيه لعبده بالنصرة والمحبة. طعم الإيمان: ذوق الإيمان ولذته والفرح به. مؤاخاة الناس: تآخيهم ومحبة بعضهم لبعض. على أمر الدنيا: أي: لأجل الدنيا فأحبوها وأحبوا لأجلها. وذلك: أي: المؤاخاة على أمر الدنيا. لا يجدي على أهله شيئاً: لا ينفعهم أصلاً بل يضرهم. المعنى الإجمالي للأثر: يحصر ابن عباس رضي الله عنهما الأسباب التي توجب محبة الله لعبده ونصرته له في محبة أولياء الله، وبغض أعدائه، وإظهار هذه المحبة وهذه العداوة علانية بمناصرة المؤمنين ومقاطعة المجرمين وجهادهم. ويذكر أنه لن يذوق الإيمان ويتلذذ بطعمه من لا يتصف بذلك وإن كثُرت عبادته. ثم يذكر ابن عباس أن هذه القضية قد انعكست في وقته فصار الناس يتحابون ويباغضون من أجل الدنيا، وهذا لا ينفعهم بل يضرهم. ثم فسر هذه الآية الكريمة. {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} بأن المراد بها أن المحبة التي كانت بينهم في الدنيا تقطعت بهم يوم القيامة وخانتهم أحوج ما كانوا إليها، وتبرأ بعضهم من بعض، لما كانت هذه المحبة في غير الله. مناسبة الأثر للباب: أن فيه أن حصول محبة الله لعبده ونصرته له مشروطٌ بأمرين: أحدهما: محبة أولياء الله وبغض أعدائه بالقلب. ثانيهما: إظهار محبة أولياء الله وبغض أعدائه بالفعل من مناصرة أوليائه وجهاد أعدائه. ما يستفاد من الأثر: 1- بيان الأسباب التي تُنال بها محبة الله لعبده ونصرته لعبده. 2- وصف الله بالمحبة على ما يليق بجلاله. 3- مشروعية وفضيلة الحب في الله والبغض في الله، وأنه لا يُغني عنهما كثرة الأعمال الصالحة. 4- مشروعية مناصرة المؤمنين وإعانتهم، وبغض الكافرين وجهادهم. 5- بيان ثمرة الحب في الله والبغض في الله من ذوق طعم الإيمان والتلذذ به. 6- ذم الحب والبغض من أجل الدنيا وبيان سوء عاقبته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه ابن المبارك في الزهد "رقم 353". "2" أخرجه الحاكم في المستدرك "2/272" وصححه ووافقه الذهبي.
يتبع باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:22 pm | |
| باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أراد المصنف بهذا الباب بيان أن التوكل فريضة يجب إخلاصه لله؛ لأنه من أفضل العبادة وأعلى مقامات التوحيد. وعلى الله: أي: لا على غيره. فتوكلوا: اعتمِدوا عليه وفوِّضوا أموركم إليه. المعنى الإجمالي للآية: يذكر تعالى أن موسى عليه السلام أمر قومه أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، ولا يرتدوا على أدبارهم خوفاً من الجبارين، بل يمضوا قُدُماً لا يهابونهم ولا يخشونهم، متوكلين على الله في هزيمتهم، مصدِّقين بصحة وعدِه لهم إن كانوا مؤمنين. ما يستفاد من الآية: 1- وجوب التوكل على الله وحده سبحانه، وأن صرف التوكل لغير الله شركٌ؛ لأنه عبادة. 2- أن التوكل على الله شرطٌ في صحة الإيمان ينتفي الإيمان عند انتفائه.
وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]. وجلت قلوبهم: خافت من الله. وعلى ربهم: لا على غيره. يتوكلون: يفوِّضون إليه أمورهم ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه. المعنى الإجمالي للآية: يصف الله –جل وعلا- المؤمنين حق الإيمان بثلاث صفاتٍ عظيمةٍ هي: 1- الخوف منه عند ذكره، فيفعلون أوامره ويتركون زواجره. 2- زيادة إيمانهم عند سماع تلاوة كلامه. 3- وتفويض الأمور إليه والاعتماد عليه وحده. مناسبة الآية للباب: أنها تدل على أن التوكل على الله وحده من صفات المؤمنين. ما يستفاد من الآية: 1- مشروعية التوكل على الله وأنه من صفات المؤمنين. 2- أن الإيمان يزيد وينقص. فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. 3- أن الإيمان بالله يستدعي التوكل عليه وحده. 4- أن من صفات المؤمنين الخشوع والذل لله تعالى.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]. وقوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حسبك الله ومن اتبعك: أي: كافيك الله وحده وكافي أتباعِك. فهو حسبه: أي: كافيه. المعنى الإجمالي للآيتين: يخبر الله سبحانه نبيه وأمته بأنه هو وحده كافيهم، فلا يحتاجون معه إلى أحد، فليكن توكّلهم ورغبتهم عليه وحده، كما جعل سبحانه لكل عملٍ جزاء، فجعل جزاء التوكل عليه كفايته للمتوكل، فإذا كان الله سبحانه كافياً المتوكل عليه وحسبَه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو. مناسبة الآيتين للباب: أنهما يدلان على وجوب التوكل على الله؛ لأنه هو الكافي لمن توكل عليه. ما يستفاد من الآيتين: 1- وجوب التوكل على الله؛ لأنه من أعظم أنواع العبادة. 2- بيان فضل التوكل على الله وفائدته، وأنه أعظم الأسباب لجلب النفع ودفع الضر. 3- أن الجزاء من جنس العمل.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم –عليه السلام- حين ألقي في النار.
وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}"1" [آل عمران: 173]. رواه البخاري والنسائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حسبنا الله: أي: كافينا فلا نتوكل إلا عليه. نعم الوكيل: أي: الموكول إليه أمور عباده.
المعنى الإجمالي للأثر: يروي عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- أن هذه الكلمة العظيمة: {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها الخليلان إبراهيم ومحمدٌ –عليهما الصلاة والسلام في موقفين حرجين لقياهما من قومهما- وذلك حينما دعا إبراهيم قومَه إلى عبادة الله فأبوا وكسَّر أصنامهم فأرادوا أن ينتصروا لها فجمعوا حطباً وأضرموا له ناراً ورموه بالمنجنيق إلى وسطها، فقال هذه الكلمة. فقال الله للنار: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]. وحينما أرسلت قريش إلى محمد –صلى الله عليه وسلم- تتوعده وتقول: إنا قد أجمعنا السير إليك وإلى أصحابك لنستأصلكم. فقال –صلى الله عليه وسلم- عند ذلك هذه الكلمة العظيمة: {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174]. مناسبة الأثر للباب: أن فيه أن هذه الكلمة التي هي كلمة التفويض والاعتماد على الله، هي الكلمة التي تقال عند الكروب والشدائد. وهي تدل على التوكل على الله في دفع كيد الأعداء. ما يستفاد من الأثر: 1- فضل هذه الكلمة، وأنه ينبغي أن تقال عند الشدائد والكروب. 2- أن التوكل من أعظم الأسباب في حصول الخير ودفع الشر في الدنيا والآخرة. 3- أن الإيمان يزيد وينقص. 4- أن ما يكرهه الإنسان قد يكون خيراً له. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "4563، 4564".
يتبع باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]. وقوله: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:23 pm | |
| باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99].
وقوله: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحِجر: 56]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أراد المؤلف رحمه الله بهذا الباب أن يبين أن الأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله من أعظم الذنوب، وأن كلاً منهما ينافي كمال التوحيد، وأنه يجب على المؤمن أن يجمع بين الخوف والرجاء. مكر الله: استدراجه العبد إذا عصى وإملاؤه له حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر. الخاسرون: أي: الهالكون. يقنط: القنوط: استبعاد الفرج واليأس منه. الضالون: المخطئون طريق الصواب. المعنى الإجمالي للآيتين: يذكر الله سبحانه حال أهل القرى المكذبين للرسل، أن الذي حملهم على تكذيبهم هو الأمن من استدراج الله لهم، وعدم الخوف منه، فتمادوا في المعاصي والمخالفات، واستبعدوا الاستدراج من الله، وهذه حال الهالكين. وفي الآية الثانية يحكي الله عن خليله إبراهيم –عليه السلام- أنه لما بشرته الملائكة بولده إسحاق –عليه السلام- استبعد ذلك على كبَر سنه، فقالت الملائكة: {فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} [الحجر: 55]. أي: الآيسين، فأجابهم بأنه ليس بقانط؛ لكنه قال ذلك على وجه التعجّب. ما يستفاد من الآيتين: 1- في الآية الأولى: التحذير من الأمن من مكر الله، وأنه من أعظم الذنوب. 2- في الآية الثانية: التحذير من القنوط من رحمة الله، وأنه من أعظم الذنوب. 3- في الآيتين أنه يجب على المؤمن أن يجمع بين الخوف والرجاء فلا يغلّب جانب الرجاء فيأمن من مكر الله ولا يغلّب جانب الخوف فييأس من رحمة الله. 4- أن الخوف والرجاء من أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده لا شريك له.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سئل عن الكبائر فقال: "الشرك بالله، واليأس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله""1". وعن ابن مسعود قال: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوْح الله""2". رواه عبد الرزاق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الكبائر: جمع كبيرة وهي: كل ذنب توعّد الله صاحبه بنارٍ أو لعنةٍ أو غضبٍ أو عذابٍ أو نفي الإيمان أو رتب الله عليه حداً في الدنيا. الشرك بالله: في ربوبيته وعبوديته. واليأس من روح الله: أي قطع الرجاء والأمل من الله فيما يرومه ويقصده ويخافه ويرجوه. من مكر الله: أي: من استدراجه للعبد أو سلبه ما أعطاه من الإيمان. المعنى الإجمالي للحديث: ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن كبائر الذنوب هي: أن يُجعل لله سبحانه شريكٌ في ربوبيته أ وعبوديته وبدأ به؛ لأنه أعظم الذنوب. وقطع الرجاء والأمل من الله؛ لأن ذلك إساءة ظنٍّ بالله وجهل بسعة رحمته، والأمن من استدراجه للعبد بالنعم حتى يأخذه على غرة. وليس المراد بهذا الحديث حصر الكبائر فيما ذكر؛ لأن الكبائر كثيرة، لكن المراد بيان أكبرها كما يفيده أثر ابن مسعود الذي ساقه المؤلف بعده. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على أن الأمن من مكر الله واليأس من رحمته من كبائر الذنوب. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الأمن من مكر الله واليأس من رحمته، وأنهما من أكبر الكبائر كما عليه المرجئة والخوارج. 2- أن الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر. 3- أن الواجب على العبد أن يكون بين الخوف والرجاء، فإذا خاف لا ييأس، وإذا رجا لا يأمن. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "1/104" رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون. "2" أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/459" رقم "19701" والطبراني في معجمه الكبير "9/156 رقم 8784". قال الهيثمي في مجمع الزوائد "1/104": رواه الطبراني وإسناده صحيح.
باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله وقول الله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة علقمة: هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن علقمة، ولد في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو من كبار التابعين وعلمائهم وثقاتهم، مات بعد الستين من الهجرة. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أراد المصنف بهذا الباب بيانَ وجوب الصبر على الأقدار وتحريم التسخط منها؛ لأن ذلك ينافي كمال التوحيد. الإيمان: في اللغة: التصديق الذي معه ائتمانٌ للمخبِر. وفي الشرع: نطقٌ باللسان واعتقادٌ بالقلب وعملٌ بالجوارح. الصبر: في اللغة: الحبس والكف –وشرعاً هو: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي والسّخط، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب. ومن يؤمن بالله: فيعتقد أن المصيبة بقضائه وقدره، ويسترجع عندها. يهد قلبه: للصبر عليها. هو الرجل تصيبه... إلخ: هذا تفسيرٌ للإيمان المذكور في الآية. المعنى الإجمالي للآية: يخبر تعالى أن من أصابته مصيبةٌ فعلم أنها من قدر الله، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوّضه كما فاته من الدنيا هدىً في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يُخلِف عليه ما أُخذ منه أو خيراً منه. مناسبة الآية للباب: أن فيها دليلاً على فضيلة الصبر على أقدار الله المؤلمة. ما يستفاد من الآية: 1- فضيلة الصبر على أقدار الله المؤلمة كالمصائب. 2- أن الأعمال من مسمّى الإيمان. 3- أن الصبر سببٌ لهداية القلب. 4- أن الهداية من ثواب الصابر.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هما: أي: الاثنتان. بهم كفر: أي: هاتان الخصلتان كفرٌ قائم بالناس –حيث كانتا من أعمال الكفار. الطعن في النسب: أي: الوقوع فيه بالعيب والتنقص. والنياحة على الميت: أي: رفع الصوت بتعديد شمائله؛ لما في ذلك من التسخط على القدر. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أنه سيستمر في الناس خصلتان من خصال الكفر، لا يسلم منهما إلا من سلَّمه الله. الأولى: عيب الأنساب وتنقصها. الثانية: رفع الصوت عند المصيبة تسخطاً على القدر. لكن ليس من قام به شعبةٌ من شعب الكفر يكون كافراً الكفر المخرج من الملة حتى يقوم به حقيقة الكفر. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على تحريم النياحة؛ لما فيها من السخط على القدر وعدم الصبر. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم النياحة وأنها من خصال الكفر ومن الكبائر. 2- وجوب الصبر؛ لأنه إذا حرمت النياحة دل على وجوبه ضدها وهو الصبر. 3- أن من الكفر ما لا ينقل عن الملة. 4- تحريم الطعن في الأنساب وتنقصها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه مسلم برقم "67".
ولهما عن ابن مسعود –رضي الله عنه- مرفوعاً: "ليس منا من ضرب الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدَعوى الجاهلية""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ليس منا: هذا من باب الوعيد ولا ينبغي تأويله. من ضرب الخدود: خص الخدّ؛ لأنه الغالب، وإلا فضرب بقية الوجه مثلُه. وشقّ الجيوب: جمع جيب وهو: مدخل الرأس من الثوب. دعوى الجاهلية: هي: الندب على الميت والدعاء بالويل والثبور. المعنى الإجمالي للحديث: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يتوعد من فعل شيئاً من هذه الأمور؛ لأنها مشتملة على التسخط على الرب وعدم الصبر الواجب، والإضرار بالنفس من لطم الوجه، وإتلاف المال بشق الثياب وتمزيقها، والدعاء بالويل والثبور، والتظلم من الله تعالى. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على تحريم التسخط من قدر الله بالقول والفعل، وأن ذلك من كبائر الذنوب. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم التسخط من قدر الله بالقول أو الفعل، وأنه من الكبائر. 2- وجوب الصبر عند المصيبة. 3- وجوب مخالفة الجاهلية؛ لأن مخالفتهم من مقاصد الشارع الحكيم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "1294"، ومسلم برقم "103".
وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضي، ومن سخط فله السخط""1". حسنه الترمذي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عظم الجزاء مع عظم البلاء: بكسر العين وفتح الظاء –أي: من كان ابتلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم. فمن رضي: بما قضاه الله وقدّره عليه من الابتلاء. فله الرضا: من الله جزاء وفاقاً. ومن سخط: بكسر الخاء والسخط: الكراهية للشيء وعدم الرضا به. فله السخط: أي: من الله عقوبةً له. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن عظمة الأجر وكثرة الثواب مع عظم الابتلاء والامتحان الذي يجري على العبد في هذه الدنيا إذا صبر واحتسب، وأن من علامة محبة الله لعبده أن يبتليه؛ فإن رضي بقضاء الله وقدره عليه واحتسب الأجر والثواب وأحسن الظن بربه رضي الله عنه وأثابه، وأن تسخّط قضاء الله وجزِع لما أصابه سخط الله عليه وعاقبه. مناسبة الحديث للباب: أن فيه بيان علامة محبة الله لعبده وبيان حكمته فيما يُجريه عليه من المكاره.
ما يستفاد من الحديث: 1- بيان علامة محبة الله لعبده وهي الابتلاء. 2- وصف الله بالمحبة والرضا والسخط على ما يليق بجلاله. 3- إثبات الحكمة لله في أفعاله. 4- أن الجزاء من جنس العمل. 5- الحث على الصبر على المصائب. 6- أ ن الإنسان قد يكره الشيء وهو خيرٌ له. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه الترمذي برقم "2398" وابن ماجه برقم "4021".
وقال - صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث والذي قبله رواهما الترمذي بسند واحد وصحابي واحد؛ ولذلك جعلهما المؤلف كالحديث الواحد. عجّل له العقوبة في الدنيا: أي: ينزل به المصائب لما صدر منه من الذنوب، فيخرج منها وليس عليه ذنب. أمسك عنه بذنبه: أي: أخّر عنه عقوبة ذنبه. يوافي به: بكسر الفاء مبنيٌّ للفاعل منصوبٌ بحتى أي: يجيء يوم القيامة مستوفرَ الذنوب فيستوفي ما يستحقه من العقاب. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن علامة إرادة الله الخيرَ بعبده معاجلته بالعقوبة على ذنوبه في الدنيا حتى يخرج منها وليس عليه ذنب يوافي به يوم القيامة؛ لأن من حوسب بعمله عاجلاً خفّ حسابه في الآجل. ومن علامة إرادة الشر بالعبد أن لا يجازى بذنوبه في الدنيا حتى يجيء يوم القيامة مستوفر الذنوب وافيها، فيجازى بما يستحقه يوم القيامة. مناسبة الحديث للباب: أن فيه الحث على الصبر على المصائب والرضا بالقدر؛ لأن ذلك في صالح العبد.
ما يستفاد من الحديث: 1- علامة إرادة الله الخير بعبده معاجلته بالعقوبة على ذنوبه في الدنيا. 2- علامة إرادة الشر بالعبد أن لا يجازى بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة. 3- الخوف من الصحة الدائمة أن تكون علامة شرّ. 4- التنبيه على حسن الظن بالله ورجائه فيما يقضيه عليه من المكروه. 5- أن الإنسان قد يكره الشيء وهو خيرٌ له، وقد يحب الشيء وهو شرّ له. 6- الحث على الصبر على المصائب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه الترمذي برقم "2398" وأحمد برقم "4/87"، والحاكم "1/349".
يتبع باب ما جاء في الرياء
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:24 pm | |
| باب ما جاء في الرياء
وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. مناسبة ذكر هذا الباب في كتاب التوحيد: أنه لما كان الرياء مخلاً بالتوحيد ومحبطاً للعمل الذي قارنه ناسب أن ينبه عليه المؤلف في هذا الباب. الرياء: مصدر راءى مراءاة ورياء وهو أن يقصد أن يرى الناس أنه يعمل عملاً على صفة وهو يضمر في قلبه صفة أخرى. قل: الخطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم- أي: قل للناس. أنا بشر مثلكم: أي: في البشرية ليس لي من الربوبية ولا من الإلهية شيء. أنما إلهكم إله واحد: أي: معبودكم بحق الذي أدعوكم إلى عبادته معبودٌ واحدٌ لا شريك له. يرجو لقاء ربه: أي: يخاف المصير إليه ويطمع برؤيته يوم القيامة. عملاً صالحاً: هو: ما كان موافقاً لشرع الله مقصوداً به وجهه. ولا يشرك بعبادة ربه: أي: لا يرائي بعمله. أحداً: نكرة في سياق النفي، فتعم كل واحد كائناً من كان. المعنى الإجمالي: يأمر الله تعالى نبيه –صلى الله عليه وسلم- أن يخبر الناس أنه بشر مثلهم في البشرية ليس له من الربوبية والألوهية شيءٌ، وإنما مهمته إبلاغ ما يوحيه الله إليه، وأهم ما أوحي أليه أن المعبود حقاً معبودٌ واحد –هو الله- لا يجوز أن يشرك معه أحدٌ في العبادة، ولا بد من المصير إليه في يوم القيامة، فالذي يرجو النجاة في هذا اليوم من عذاب الله يستعد له بالعمل الخالص من الشرك الموافق لما شرعه الله. مناسبة الآية للباب: أن فيها الأمر بإخلاص العمل من الشرك الذي منه الرياء. ما يستفاد من الآية: 1- أن أصل الدين هو إفراد الله بالعبادة. 2- أن الرياء شرك. 3- أن الشرك الواقع من المشركين هو الشرك في العبادة. 4- أنه لا يجوز أن يُعبد مع الله أحدٌ لا من الأصنام ولا من الأنبياء والصالحين ولا غيرهم.
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- مرفوعاً: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم"1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أنا أغنى الشركاء عن الشرك: أي: عن مشاركة أحد، وعن عملٍ فيه شرك. أشرك معيَ فيه غيري: أي: قصد بعمله غيري من المخلوقين. تركته وشركه: أي: لم أقبل عمله بل أتركه لغير ذلك. معنى الحديث إجمالاً: يروي النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل –وهو يسمَّى بالحديث القدسي- أنه يتبرأ من العمل الذي دخله مشاركةٌ لأحد برياءٍ أو غيره؛ لأنه سبحانه لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه. مناسبة ذكره في الباب: أنه يدل على عدم قبول العمل الذي داخله رياءٌ أو غيره من أنواع الشرك. ما يستفاد منه: 1- التحذير من الشرك بجميع أشكاله؛ وأنه مانعٌ من قبول العمل. 2- وجوب إخلاص العمل لله من جميع شوائب الشرك. 3- وصف الله بالغنى. 4- وصف الله بالكلام. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه مسلم برقم "2985" وأحمد "2/301، 435" وابن ماجه برقم "4202" وابن خزيمة برقم "938".
وعن أبي سعيد –رضي الله عنه- مرفوعاً: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟" قالوا: بلى. قال: "الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي، فيزيّن صلاته، لما يرى من نظر رجل" رواه أحمد"1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أخوف: أفعل تفضيل أي: أشد خوفاً. المسيح: صحاب الفتنة العظمى، سُمِّي مسيحاً؛ لأن عينه ممسوحةٌ، أو لأنه يمسح الأرض أي: يقطعها بسرعة. الدجال: كثير الدجَل أي: الكذب. الشرك الخفي: سماه خفياً؛ لأن صاحبه يُظهر أن عمله لله وهو في الباطن قد قصد به غيرَه. يزيِّن صلاته: يحسِّنها ويُطيلُها ونحو ذلك. المعنى الإجمالي للحديث: كان الصحابة يتذاكرون فتنةَ المسيح الدجال ويتخوفون منها، فأخبرهم –صلى الله عليه وسلم- أن هناك محذوراً يخافه عليهم أشد من خوفِ فتنة الدجال وهو الشرك في النية والقصد الذي لا يظهر للناس، ثم فسَّره بتحسين العمل الذي يُبتغى به وجه الله من أجل رؤية الناس. مناسبة ذكر الحديث في الباب: أن فيه التحذير من الرياء، وفيه تفسيرُه.
ما يستفاد من الحديث: 1- في الحديث شفقته –صلى الله عليه وسلم- على أمته ونصحُه لهم. 2- أن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال. 3- الحذر من الرياء ومن الشرك عموماً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه ابن ماجه برقم "4204". وأحمد في المسند 3/30.
يتبع باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:25 pm | |
| باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
وقول الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} الآيتين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الآية الثانية قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: بيان أن العمل لأجل الدنيا شركٌ، ينافي كمال التوحيد، ويحبط العمل، ويفترق عن الباب الذي قبله، أن هذا عملٌ لأجل دنيا يصيبُها، والمرائي عمِل لأجل المدح فقط. يريد الحياة الدنيا وزينتها: أي: يريد بعمله ثواب الدنيا ومالها. نوَفِّ إليهم: نوفّر لهم ثواب أعمالهم بالصحة، والسرور بالأهل والمال والولد. لا يُبخسون: لا يُنقصون. ليس لهم في الآخرة إلا النار: لأنهم لم يعملوا إلا للحياة الدنيا. وحبِط: بطُل. ما صنعوا فيها: في الآخرة فلم يكن لهم ثوابٌ عليه؛ لأنهم لم يريدوا به الآخرة. معنى الآيتين إجمالاً: أن من كانت الدنيا همّه وطلبته فنواها بأعماله ولم يلتفت للآخرة، جازاه الله بحسناته في الدنيا إن شاء –تعالى-
كما في الآية الأخرى {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ} الآية [الإسراء: 18] ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنةٌ يعطى بها جزاء. مناسبة ذكر الآيتين في الباب: أنهما بيَّنتا حكم من أراد بعمله الدنيا ومآله في الدنيا والآخرة. ما يستفاد من الآيتين: 1- فيهما أن الشرك محبطٌ للأعمال، وأن إرادة الدنيا وزينتها بالعمل محبطة له. 2- فيهما أن الله قد يجزي الكافرَ وطالب الدنيا بحسناته في الدنيا ولا يبقى له في الآخرة حسنةٌ يجازى بها. 3- فيما التحذير الشديد من إرادة الدنيا بعمل الآخرة. 4- فيهما الحث على إرادة الآخرة بالأعمال الصالحة.
في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يُعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد أخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفَّع""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في الصحيح: أي: صحيح البخاري. تعس: بكسر العين: سقط والمراد هنا: هلك. الخميصة: ثوب خزّ أو صُوفٌ معلّم، كانت من لباس الناس قديماً. الخميلة: بفتح الخاء: القطيفة. انتكس: أي: عاوده المرض. وقيل: انقلب على رأسه وهو: دعاءٌ عليه بالخيبة. شِيك: أصابته شوكة. فلا انتقش: فلا يقد على انتقاشها أي: أخْذها بالمنقاش. طوبى: اسمٌ للجنة أو شجرةٍ فيها. عنان: بكسر العين: سير اللجام. في سبيل الله: أي: جهاد المشركين. أشعث رأسُه: صفةٌ لعبدٍ مجرورٌ بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، ورأسه فاعل، ومعناه: أنه ثائر الرأس شغلَه الجهاد عن التنعم بالادِّهان وتسريح الشعر. مغبرّة قدماه: صفة ثانية لعبد، وقدماه فاعلٌ أي: علقهما الغبار والتراب بخلاف المترفين المتنعمين. الحراسة: بكسر الحاء أي: يكون في حماية الجيش غير مقصر ولا غافل. في الساقة: أي: يكون في آخر الجيش؛ لأنه يقلب نفسه في مصالح الجهاد. إن استأذن: أي: للدخول على الأمراء. لم يُؤذن له: لأنه لا جاه له عندهم؛ لكونه لا يقصد بعمله الدنيا والتزلّف إلى الأمراء. وإن شفع: أي: ألجأته الحال إلى أن يتوسط في أمرٍ يحبه الله ورسوله من قضاء حوائج الناس. لم يشفع: بفتح الفاء المشددة أي: لم تقبل شفاعته عند الأمراء ونحوهم. المعنى الإجمالي للحديث: يصور النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث حالةَ رجلين: أحدهما من طلاب الدنيا، والآخر من طلاب الآخرة؛ فطالب بلفظ الخبر: "تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" أي: إذا أصابه شرّ لم يخرج منه ولم يفلح؛ فلا نال المطلوب ولا خلُص من المرهوب، وصار عبداً لما يهواه من شهواته؛ لا صلة له بربه يخلِّصه بسببها مما وقع فيه. ثم بيّن –صلى الله عليه وسلم- حال عبد الله الصادق الساعي في مراضيه المبتعد عن مساخطه الصابر على مشقة النصب والتعب؛ وأنه لم يتفرغ للترف ونيل الملذات ولم يتظاهر أمام الناس حتى يعرف لديهم ويكون ذا جاه عندهم؛ لأنه لم يرد بعمله الدنيا ونيل الجاه، بل أراد به وجه الله والدار الآخرة؛ فجزاؤه أن له الجنة أو شجرة فيها. مناسبة ذكر الحديث في الباب: أن فيه ذم العمل لأجل الدنيا، ومدح العمل لأجل الآخرة. ما يستفاد من الحديث: 1- ذم العمل لأجل الدنيا، ومدح العمل لأجل الآخرة. 2- فضل التواضع. 3- فضل الجهاد في سبيل الله. 4- ذم الترف والتنعم، ومدح الخشونة والرجولة والقوة؛ لأن ذلك مما يعين على الجهاد في سبيل الله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "2887".
يتبع باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:26 pm | |
| باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً
وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء: أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتقولون: قال أبو بكر وعمر"!. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة ذكر هذا الباب في كتاب التوحيد: لما كانت الطاعة من أنواع العبادة، نبّه المصنف –رحمه الله- بهذا الباب على وجوب اختصاص الخالق تبارك وتعالى بها، وأنه لا يطاع أحدٌ من الخلق إلا إذا كانت طاعته في غير معصية الله. أرباباً: أي: شركاء مع الله في التشريع. قال ابن عباس... إلخ: أي: قاله لمن ناظره في متعة الحج وكان هو يأمر بها؛ لأمر الرسول –صلى الله عليه وسلم- بها، فاحتج عليه المخالف بنهي أبي بكر وعمر عنها، واحتج ابن عباس بسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. يوشك: أي: يقرب ويدنو ويسرع. المعنى الإجمالي للأثر: أن ابن عباس –رضي الله عنهما- يتوقع أن ينزل الله عقوبة من السماء عاجلة شنيعة بمن يقدم قول أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- على قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، لأن الإيمان بالرسول –صلى الله عليه وسلم- يقتضي متابعته وتقديم قوله على قول كل أحد كائناً من كان. مناسبة ذكره في الباب: أنه يدل على تحريم طاعة العلماء والأمراء فيما خالف هدي الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنه موجبةٌ للعقوبة. ما يستفاد من الأثر: 1- وجوب تقديم قول الرسول –صلى الله عليه وسلم- على قول كل أحد. 2- أن مخالفة هدي الرسول –صلى الله عليه وسلم- توجب العقوبة.
وقال أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان؛ والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]. أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك: لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: 1- أحمد هو: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، مات سنة 241هـ رحمه الله. 2- سفيان هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الإمام الزاهد العابد الثقة الفقيه، مات سنة 161هـ. قال أحمد: أي: لما قيل له: إن قوماً يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان أو غيره من الفقهاء. عرفوا الإسناد وصحته: أي: عرفوا صحة إسناد الحديث؛ لأن صحة الإسناد تدل على صحة الحديث. يخالفون عن أمره: أي: أمر الله أو الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وعدّي الفعل بـ "عن" لتضمنه معنى الإعراض. أن تصيبهم فتنة: محنة في الدنيا. أو يصيبهم عذاب أليم: في الآخرة. لعله: أي: الإنسان الذي تصح عنده سنة الرسول –صلى الله عليه وسلم-. إذا رد بعض قوله: أي: قول النبي –صلى الله عليه وسلم-. من الزيغ: أي العدول عن الحق وفساد القلب.
المعنى الإجمالي: ينكر الإمام أحمد على من يعرف الحديث الصحيح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك يقلد سفيان أو غيره فيما يخالف الحديث، ويعتذر بالأعذار الباطلة؛ ليبرر فعله. مع أن الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله –تعالى- وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به ولو خالفه من خالفه، فبذلك أمرنا ربنا –تبارك وتعالى- وأمرنا نبينا –صلى الله عليه وسلم- ثم يتخوف الإمام أحمد على من صحت عنده سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ثم خالف شيئاً منها أن يزيغ قلبه فيهلك في الدنيا والآخرة، ويستشهد بالآية المذكورة، ومثلها في القرآن كثير كقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]. مناسبة ذكر ذلك في الباب: التحذير من تقليد العلماء من غير دليل، وترك العمل بالكتاب والسنة أن ذلك شرك في الطاعة. ما يستفاد من الأثر: 1- تحريم التقليد على من يعرف الدليل وكيفية الاستدلال. 2- جواز التقليد لمن لا يعرف الدليل؛ بأن يقلد من يثق بعلمه ودينه من أهل العلم.
عن عدي بن حاتم –رضي الله عنه- أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [التوبة: 31]، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلّون ما حرم الله، فتحلونه؟" فقلت: بلى. قال "فتلك: عبادتهم""1". رواه أحمد والترمذي وحسَّنه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: عدي: هو عدي بن حاتم الطائي، صحابي شهير حسن الإسلام، مات سنة 68هـ وله 120 سنة –رضي الله عنه-. اتخذوا: جعلوا. أحبارهم: علماء اليهود. ورهبانهم: عباد النصارى. أرباباً من دون الله: حيث اتبعوهم في تحليل ما حرّم الله وتحريم ما أحلّ. لسنا نعبدهم: ظن أن العبادة يراد بها التقرب إليهم بالسجود ونحوه فقط. أليس يحرمون... إلخ: بيانٌ لمعنى اتخاذهم أرباباً.
المعنى الإجمالي:
حينما سمع هذا الصحابي الجليل تلاوة الرسول –صلى الله عليه وسلم- لهذه الآية التي فيها الإخبار عن اليهود والنصارى: بأنهم جعلوا علماءهم وعبّادهم آلهة لهم يشرعون لهم ما يخالف تشريع الله فيطيعونهم في ذلك، استشكل معناها، لأن يظن أن العبادة مقصورة على السجود ونحوه. فبين له الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن من عبادة الأحبار والرهبان: طاعتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام، خلاف حكم الله –تعالى- ورسوله –صلى الله عليه وسلم-. مناسبة الحديث للباب: أن طاعة المخلوق في معصية الله عبادة له من دون الله، لا سيّما في تشريع الأحكام، وسنّ القوانين المخالفة لحكم الله. ما يستفاد من الحديث: 1- أن طاعة العلماء وغيرهم من المخلوقين في تغيير أحكام الله –إذا كان المطيع يعرف مخالفتهم لشرع الله- شركٌ أكبر. 2- أن التحليل والتحريم حقٌّ لله تعالى. 3- بيان لنوع من أنواع الشرك وهو شرك الطاعة. 4- مشروعية تعليم الجاهل. 5- أن معنى العبادة واسعٌ يشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه الترمذي برقم "3104" وذكره ابن كثير في تفسيره "2/458" وعزاه إلى أحمد والترمذي وابن جرير. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
يتبع باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا...} الآيات.
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:26 pm | |
| باب قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا...} الآيات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآيات: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 60- 62]. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: نبه المؤلف –رحمه الله- بهذا الباب على ما تضمَّنه التوحيد واستلزمه من تحكيم الرسول –صلى الله عليه وسلم- في موارد النزاع؛ إذ هذا من مقتضى الشهادتين، فمن تلفظ بالشهادتين ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول فقد كذب في شهادته. ألم تر: استفهام تعجّب واستنكار. يزعمون أنهم آمنوا... إلخ: أي: يدّعون الإيمان بذلك وهم كاذبون. أن يتحاكموا: أي: يتخاصموا. إلى الطاغوت: هو كثير الطغيان، والمراد به هنا كعب الأشراف اليهودي، وهو يشمل كل من حكم بغير ما أنزل الله. يكفروا به: أي يرفضوا طاعة الطاغوت. ويريد الشيطان: بأمره لهؤلاء وتزيينه لهم التحاكم إلى الطاغوت. أن يضلهم: أن يصدهم عن سبيل الحق والهدى. ضلالاً بعيداً: فيجور بهم جوراً بعيداً. إلى ما أنزل الله: أي: في القرآن من الحكم بين الناس. وإلى الرسول: ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه. رأيت المنافقين: أي: الذين يدّعون الإيمان وهم كاذبون. يصدون: يُعرضون، في موضع نصبٍ على الحال. عنك: إلى غيرك. صدوداً: مصدر "صدّ" أو اسم مصدر. فكيف: أي: ماذا يكون حالهم؟ وماذا يصنعون؟ إذا أصابتهم مصيبة: إذا نزلت بهم عقوبة من قتل ونحوه. بما قدمت أيديهم: أي: بسبب التحاكم إلى غيرك وعدم الرضا بحكمك، هل يقدرون على الفرار منها؟ ثم جاءوك: للاعتذار حين يُصابون، معطوفٌ على إصابتهم، أو على يصدون. إن أردنا: أي: ما أردنا بالمحاكمة إلى غيرك. إلا إحساناً: أي: الإصلاح بين الناس. وتوفيقاً: تأليفاً بين الخصمين ولم نُرد مخالفتك. المعنى الإجمالي للآيات: أن الله –سبحانه وتعالى- أنكر على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله،ويحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به؛ ولكن الشيطان يريد أن يضلّ هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الهدى والحق ويبعدهم عنه؛ وإذا دُعي هؤلاء إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا إعراض استكبار وتمتع –فماذا يكون حالهم وصنيعهم إذا نزلت بهم المصائب واحتاجوا إلى الرسول في ذلك؟! ليدعو الله لهم ويحل مشاكلهم –فجاؤوه يعتذرون عما صدر منهم بأنهم لم يريدوا مخالفتهم في عدولهم إلى غيره، وإنما أراد الإصلاح والتأليف بين الناس. فيُبدون هذه الأعذار الباطلة ليُبرّروا فعلهم حينما يفتضحون. ما يستفاد من الآيات: 1- وجوب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرضا بذلك والتسليم له. 2- أن من تحاكم إلى غير الشريعة الإسلامية فليس بمؤمن، وليس بمصلح وإن ادعى أنه يقصد الإصلاح. 3- أن من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت، ومن تحاكم إلى غير ما أنزل الله فهو متحاكم إلى الطاغوت، وإن سماه بأي اسم. 4- وجوب الكفر بالطاغوت. 5- التحذير من كيد الشيطان وصدّه الإنسان عن الحق. 6- أن من دعي إلى التحاكم إلى ما أنزل الله وجب عليه الإجابة والقبول، فإن أعرض فهو منافق. 7- أن دعوى قصد الإصلاح ليست بعذر في الحكم بغير ما أنزل الله.
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قيل لهم: أي: للمنافقين. لا تفسدوا في الأرض: أي: بالكفر وغيره من أنواع المعاصي. إنما نحن مصلحون: وليس ما نحن فيه بفساد. المعنى الإجمالي للآية: أن الله سبحانه وتعالى يذكر من صفات المنافقين أنهم إذا نُهوا عن ارتكاب المعاصي التي تسبب الفساد في الأرض بحلول العقوبات، وأُمروا بالطاعة التي فيها صلاح الأرض أجابوا: بأن شأننا الإصلاح؛ لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض. مناسبة الآية للباب: أن من دعا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله أو دعا إلى المعاصي فقد أتى بأعظم الفساد في الأرض. ما يستفاد منها: 1- التحذير من تحكيم النظُم والقوانين المخالفة للشريعة، وإن ادّعى أصحابها أن قصدهم الإصلاح. 2- أن دعوى الإصلاح ليست بعذر في ترك ما أنزل الله. 3- التحذير من الإعجاب بالرأي. 4- أن مريض القلب يتصور الحق باطلاً والباطل حقاً. 5- أن النية الحسنة لا تُسوغ مخالفة الشرع.
وقوله: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} [الأعراف: 56]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا: ناهية. تفسدوا في الأرض: بالشرك والمعاصي. بعد إصلاحها: ببعث الأنبياء وشرع الأحكام وعمل الطاعات. المعنى الإجمالي للآية: ينهى الله سبحانه عباده عن الإفساد في الأرض –بالمعاصي والدعاء إلى طاعة المخلوقين في معصية الخالق- بعد إصلاحه سبحانه إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به والظلم والمعاصي هي أعظم فسادٍ في الأرض. مناسبة الآية للباب: أن من يدعو إلى التحاكم إلى غير ما أنزل الله فقد أتى بأعظم الفساد في الأرض. ما يستفاد من الآية: 1- أن المعاصي إفسادٌ في الأرض. 2- أن الطاعة إصلاحٌ للأرض. 3- أن تحكيم غير ما أنزل الله إفسادٌ في الأرض. 4- أن صلاح البشر وإصلاحهم لا يكون إلا بتحكيم ما أنزل الله. وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ...} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]. أفحكم: استفهام إنكاري. الجاهلية: ما كان قبل الإسلام وكل ما خالف الإسلام فهو من الجاهلية. يبغون: يطلبون. ومن: أي: لا أحد. أحسن من الله حكماً: هذا من استعمال أفعل التفضيل فيهما ليس له في الطرف الآخر مشارك. لقوم يوقنون: أي: عند قومٍ يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور فيعلمون أن لا أحسن حكماً من حكم الله. المعنى الإجمالي للآية: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى –المشتمل على كل خير وعدل، والناهي عن كل شر- إلى ما سِواه من: الآراء والأهواء الاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجَهالات والأعراف القبَلية. مناسبة الآية للباب: أن من ابتغى غير حكم الله –من الأنظمة والقوانين الوضعية- فقد ابتغى حكم الجاهلية. ما يستفاد من الآية: 1- وجوب تحكيم شريعة الله. 2- أن ما خالف شرع الله فهو من حكم الجاهلية. 3- بيان مزية أحكام الشريعة وأنها هي الخير والعدل والرحمة. 4- أن تحكيم القوانين الوضعية والنظم الغربية كفرٌ.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح"1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: النووي هو: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي –نسبة إلى نوى قرية بالشام- وهو إمام مشهور صاحب تصانيف، توفي سنة 676 هـ رحمه الله. الحجة: أي: كتاب الحجة على تارك المحجة للشيخ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي. وهذا الحديث في إسناده مقالٌ- لكن معناه صحيح قطعاً وإن لم يصح إسناده وله شواهد من القرآن كقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. لا يؤمن أحدكم: أي: لا يحصل له الإيمان الواجب ولا يكون من أهله. هواه: أي: ما يهواه وتحبه نفسه وتميل إليه. تبعاً لما جئت به: فيحب ما أمر به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ويكره ما نهى عنه. المعنى الإجمالي للحديث: أن الإنسان لا يكون مؤمناً الإيمان الكامل الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- من: الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه. مناسبة الحديث للباب: نفيُ الإيمان عمن لم يطمئن إلى شرع الله ويحبه، ويكره ما خالفه من القوانين والنظم الوضعية. ما يستفاد من الحديث: 1- وجوب محبة كل ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولا سيما من التشريع والعمل به. 2- وجوب بغض كل ما خالف شريعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- والابتعاد عنه. 3- انتفاء الإيمان عمن يميل بقلبه إلى مخالفة ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به ظاهراً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" انظر الأربعين النووية "ص48".
وقال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود: لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: الشعبي هو: عامر بن شراحيل الشعبي، وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي الحميري أبو عمرو الكوفي ثقة حافظ فقيه من التابعين. قيل مات سنة 103هـ رحمه الله، وقيل غير ذلك. من المنافقين: جمع منافق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر. اليهود: جمع يهودي –مِن هاد إذا رجع- وقيل اليهودي نسبة إلى يهودا بن يعقوب عليه السلام. خصومة: أي جدال ونزاع. الرشوة: ما يُعطى لمن يتولى شيئاً من أمور الناس ليحيف مع المعطي ومن ذلك: ما يعطيه أحد الخصمين للقاضي أو غيره ليحكم له، مأخوذة من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء. جهينة: قبيلة عربية مشهورة. فنزلت: هذا بيان لسبب نزول الآية الكريمة. المعنى الإجمالي للأثر: يروي الشعبي –رحمه الله- أن هذه الآية الكريمة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية. نزلت بسبب ما حصل من رجلٍ يدّعي الإيمان ويريد أن يتحاكم إلى غير الرسول –صلى الله عليه وسلم-، تهرباً من الحكم العادل؛ مما حمله على التحاكم إلى الطاغوت من غير مبالاة بما يترتب على ذلك من مناقضة للإيمان؛ مما يدل على كذبه في ادعائه الإيمان؛ فمن عمل مثل عمله فهو مثله في هذا الحكم. مناسبة الأثر للباب: أن التحاكم إلى غير شرع الله يناقض الإيمان بالله وكتبه. ما يستفاد من الأثر: 1- وجوب التحاكم إلى شريعة الله. 2- أن التحاكم إلى غير شريعة الله ينافي الإيمان. 3- فيه كشفٌ لحقيقة المنافقين، وأنهم شرٌّ من اليهود. 4- تحريم أخذ الرشوة؛ وأن أخذ الرشوة من أخلاق اليهود، وقد لعن النبي –صلى الله عليه وسلم- معطيها وآخذها.
وقيل: "نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقال الآخر: إلى كعب الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أكذلك؟ قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: كعب بن الأشرف: يهوديّ عربيّ من طيء وأمه من بني النضير، كان شديد العداوة للنبي –صلى الله عليه وسلم-. وقيل نزلت: يعني: الآية المذكورة سابقا. المعنى الإجمالي للأثر: هذا الأثر فيه بيان قول آخر –غير ما سبق- في سبب نزول الآية الكريمة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية. وأن القصة لما بلغت عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- واستثبتها قتل الذي لم يرض بحكم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. مناسبة ذكره في الباب: أن فيه دليلاً على كفر من احتكم إلى غير شرع الله واستحقاقه للقتل؛ لأنه مرتدٌّ عن دين الإسلام. ما يستفاد من الأثر: 1- أن تحكيم غير الله تعالى، ورسوله –صلى الله عليه وسلم- في فضّ المنازعات ردةٌ عن الإسلام. 2- أن المرتد عن دين الإسلام يقتل. 3- أن الدعاء إلى تحكيم غير شرع الله من صفات المنافقين ولو كان المدعو إلى تحكيمه إماماً فاضلاً كعمر بن الخطاب رضي الله عنه. 4- مشروعية الغضب لله ولرسوله ولدينه. 5- مشروعية تغيير المنكر باليد لمن يقدر على ذلك. 6- أن معرفة الحق لا تغني عن العمل به والانقياد له.
يتبع باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الأحد أغسطس 18, 2013 3:27 pm | |
| باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات
وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لما كان التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وكان الإيمان بالله لا يحصل إلا بتحقق هذه الثلاثة؛ نبه المصنف بهذا الباب على هذا النوع؛ ليبين حكم من جحده. باب من جحد... إلخ: أي: أنه يكفر بذلك. وهم: أي: كفار قريش. يكفرون بالرحمن: أي: يجحدون هذا الاسم، مع إيمانهم بالله، فالرحمن اسمٌ من أسماء الله، والرحمة صفةٌ من صفاته. قل: يا محمد رداً عليهم في كفرهم بالرحمن. هو ربي: أي: الرحمن عز وجل ربي وإن كفرتم به. لا إله إلا هو: أي: لا معبود بحق سواه. عليه: لا على غيره. توكلت: فوضت أموري كلها إليه واعتمدت عليه. وإليه متاب: مرجعي وتوبتي. المعنى الإجمالي للآية: أن الله سبحانه وتعالى ينكر على مشركي قريش جحودهم لاسمه الرحمن، ويأمر رسوله محمداً –صلى الله عليه وسلم- أن يرد عليهم هذا الجحود ويعلن إيمانه بربه وأسمائه وصفاته، وأنه سبحانه هو الذي يستحق العبادة وحده، ويتوكل عليه ويُرجع إليه في جميع الأمور ويُتاب إليه من الذنوب. مناسبة الآية للباب: أن جحود شيء من أسماء الله وصفاته كفر. ما يستفاد من الآية: 1- أن جحود شيء من الأسماء والصفات كفر. 2- وجوب الإيمان بأسماء الله وصفاته. 3- وجوب التوكل على الله والتوبة إليه. 4- وجوب إخلاص العبادة لله.
وفي صحيح البخاري: قال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري: أي الكتاب الذي جمع فيه البخاري الأحاديث الصحيحة. والبخاري هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري نسبة إلى بخارى بلدة في المشرق. وكتابه أصح كتاب بعد كتاب الله. المعنى الإجمالي للأثر: يرشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- إلى أنه لا ينبغي أن يحدث عامة الناس إلا بما هو معروف ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه من التوحيد وبيان الحلال والحرام ويُترك ما يشغل عن ذلك؛ مما لا حاجة إليه أو كان مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله مما يشتبه عليهم فهمه، ويصعب عليهم إدراكه؛ وقد قال ذلك حينما كثر القصاص أي: الوعاظ في خلافته. مناسبة الأثر للباب: يأتي بيانها بعد ذكر الأثر الذي بعده. ما يستفاد من الأثر: أنه إذا خشي ضررٌ من تحديث الناس ببعض ما لا يفهمون؛ فلا ينبغي تحديثهم بذلك وإن كان حقاً. * * * "1" أخرجه البخاري برقم "127".
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: "أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصفات؛ استنكاراً لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه" انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: 1- عبد الرزاق هو: عبد الرزاق بن همام الصنعاني الإمام الحافظ صاحب المصنفات مات سنة 211هـ رحمه الله. 2- معمر هو: أبو عروة معمر بن راشد الأزدي البصري ثقة ثبت مات سنة 154هـ رحمه الله. 3- ابن طاووس هو: عبد الله بن طاووس اليماني ثقة فاضل عابد مات سنة 132هـ رحمه الله. انتفض: أي: ارتعد. فقال: أي: ابن عباس. ما: استفهامية. فرق: بفتح الفاء والراء أي: خوف. هؤلاء: يشير إلى أناس يحضرون مجلسه من عامة الناس. رقة: ليناً وقبولاً. محكمه: ما وضح معناه فلم يلتبس على أحد. متشابهه: ما اشتبه عليهم فهمه. المعنى الإجمالي للأثر: ينكر ابن عباس –رضي الله عنهما- على أناس ممن يحضر مجلسه من عامة الناس يحصل منهم خوفٌ عندما يسمعون شيئاً من أحاديث الصفات ويرتعدون استنكاراً لذلك، فلم يحصل منهم الإيمان الواجب بما صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عرفوا معناه من القرآن وهو حق لا يرتاب فيه مؤمن، وبعضهم يحمله على غير معناه الذي أراده الله فيهلك بذلك. مناسبة الأثر للباب: بعدما ذكر المؤلف أثر عليّ –رضي الله عنه- الذي يدل على أنه لا ينبغي تحديث الناس بما لا يعرفون، ذكر هذا الأثر الذي يدل على أن نصوص الصفات ليست مما نهى عن التحديث به؛ بل ينبغي ذكرها وإعلانها؛ فليس استنكار بعض الناس لها بمعناه من ذكرها، فما زال العلماء قديماً وحديثاً يقرأون آيات الصفات وأحاديثها بحضرة العوام والخواص. ما يستفاد من الأثر: 1- أنه لا مانع من ذكر آيات الصفات وأحاديثها بحضرة عوام الناس وخواصهم من باب التعليم. 2- أن من رد شيئاً من نصوص الصفات أو استنكره بعد صحته فهو من الهالكين. 3- الإنكار على من استنكر شيئاً من نصوص الصفات.
ولما سمعت قريشٌ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يذكر الرحمن، أنكروا ذلك، فأنزل الله: {... وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ...}. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المعنى الإجمالي للأثر: يذكر الرحمن: يعني حين كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم" في صلح الحديبية فقالوا: أما الرحمن، فلا نعرفه، ولا ندري ما الرحمن، ولا نكتب إلا: باسمك اللهم"1" فيكون هذا هو سبب نزول الآية، وقيل: قالوا ذلك حينما سمعوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- يدعو في سجوده ويقول: "يا رحمن يا رحيم" فقالوا: هذا يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين: الرحمن، الرحيم وهذا سبب آخر لنزول الآية ولا مانع أن تنزل الآية لسببين أو أكثر. وتقدمت هذه الآية وما يتعلق بها في أول الباب. ما يستفاد من الأثر: 1- ثبوت الأسماء والصفات لله عز وجل. 2- أن تعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى. 3- مشروعية دعاء الله بأسمائه وصفاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "2731، 2732".
يتبع باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} الآية.
باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} الآية.
قال مجاهد ما معناه: "هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي. وقال عون بن عبد الله: "يقولون: لولا فلان لم يكن كذا". وقال ابن قتيبة: يقولون: "هذا بشفاعة آلهتنا". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83]. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف أراد بهذا الباب بيان وجوب التأدب مع الربوبية، بتجنب الألفاظ الشركية الخفية كنسبة النعم إلى غير الله؛ لأن ذلك ينافي كمال التوحيد. التراجم: 1- مجاهد هو: شيخ التفسير مجاهد بن جبر المكي الإمام الرباني من تلاميذ ابن عباس مات سنة 104هـ على الراجح رحمه الله. 2- عون هو: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ثقة عابد مات حوالي سنة 120هـ رحمه الله. 3- ابن قتيبة هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الحافظ صاحب التفسير وغيره من المؤلفات مات سنة 276هـ رحمه الله. يعرفون: أي: يعرف المشركون. نعمة الله: اختُلف في المراد بها، وقد ذكر المصنف جملة من أقوال العلماء في ذلك. ورثته عن آبائي... إلخ: وقاتل هذه الأقوال ونحوها منكر لنعمة الله بإضافتها إلى غيره، جاحد لها غير معترف بها، والآية تعم ما ذكره العلماء في معناها. المعنى الإجمالي للآية: أن المشركين يعترفون بنعم الله التي عدّدها عليهم –في سورة النحل وغيرها- أنها من الله، ثم ينكرونها بإضافتها إلى غيره من آلهتهم وآبائهم وغيرهم، فهم متناقضون في ذلك. ما يستفاد من الآية: 1- أن المشركين معترفون بتوحيد الربوبية. 2- وجوب نسبة النعم إلى الله سبحانه وتعالى وحده. 3- التحذير من نسبة النعم إلى غير الله؛ لأنه شركٌ في الربوبية. 4- وجوب التأدب في الألفاظ، وتحريم الاعتماد على الأسباب.
وقال أبو العباس –بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه أن الله تعالى قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر.." الحديث -وقد تقدم-: "وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره، ويشرك به. قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقاً... ونحو ذلك مما هو جارٍ على ألسنة كثير". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: أبو العباس: هو شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله. وقد تقدم: أي: في باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء. الملاح: قائد السفينة. السلف: هم المتقدمون من علماء هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم. المعنى الإجمالي للأثر: أن السفن إذا جَرَين بريح طيبة بأمر الله جرياً حسناً نسبوا ذلك إلى طيب الريح وحذق قائد السفينة؛ ونسوا ربهم الذي أجرى لهم الفلك في البحر رحمة بهم؛ فيكون هذا من جنس نسبة المطر إلى الأنواء. حكم من فعل ذلك: فيه تفصيل: 1- إن كان المتكلم بذلك لم يقصد أن الريح والملاح ونحو ذلك هو الفاعل لذلك من دون خلق الله وأمره، وإنما أراد نسبتها إلى السبب فقط فهذا شرك أصغر؛ لأنه أضاف النعمة إلى غير الله، والواجب إضافتها إلى الله. 2- وإن كان يقصد أن هذه الأشياء تفعل ذلك من دون الله؛ فهذا شرك أكبر. والأول هو الذي يجري على ألسنة كثير من المسلمين فيجب الحذر منه.
يتبع باب قول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]. | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الإثنين أغسطس 19, 2013 9:49 pm | |
| باب قول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].
قال ابن عباس في الآية: "الأنداد هو: الشرك؛ أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا، لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار، لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلاناً؛ هذا كله به شرك". رواه ابن أبي حاتم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أنه لما كان من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ، وإن لم يقصده المتكلم بقلبه؛ نبه المؤلف –رحمه الله- بهذا الباب على ذلك وبيّن بعض هذه الألفاظ لتجتنب هي وما ماثلها. فلا تجعلوا لله أنداداً: أي: أشباهاً ونظراء تصرفون لهم العبادة أو شيئاً منها. وأنتم تعلمون: أنه ربكم لا يرزقكم غيره ولا يستحق العبادة سواه. في الآية: أي: في تفسير الآية. دبيب النمل: مشيه. على صفاة: الصفا: الحجر الأملس. كليبة: تصغير ***ة وهي هنا: التي تُتخذ لحفظ المواشي وغيرها. اللصوص: جمع لصّ وهم: السراق. البطّ: جمع بطّة وهي: من طيور الماء تُتخذ في البيوت، فإذا دخلها غيرُ أهلها استنكرته وصاحت. لا تجعل فيها فلاناً: أي: لا تجعله في مقالتك فتقول: لولا الله وفلان، بل قل: لولا الله وحده. هذا كله به شرك. أي: هذه الألفاظ المذكورة وما شابهها شرك بالله أي: شرك أصغر. المعنى الإجمالي للآية: أن الله –تبارك وتعالى- ينهى الناس أن يتخذوا له أمثالاً ونظراء يصرفون لهم شيئاً من عبادته؛ وهم يعلمون أن الله وحده الخالق الرازق؛ وأن هذه الأنداد عاجزة فقيرة ليس لها من الأمر شيء. وما ذكره ابن عباس أمثلة لاتخاذ الأنداد؛ لأن لفظ الآية يشملها وإن كانت شركاً أصغر والآية نازلة في الشرك الأكبر؛ فالسلف يستدلون بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر. ما يستفاد من الآية: 1- التحذير من الشرك في العبادة. 2- أن المشركين مقرون بتوحيد الربوبية. 3- أن الشرك الأصغر خفيّ جداً وقلّ من يتنبه له. 4- وجوب تجنب الألفاظ الشركية ولو لم يقصدها الإنسان بقلبه.
وعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك""1" رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن عمر: صوابه عن ابن عمر. من حلف: الحلف: اليمين، وهي توكيد الحكم بذكر معظّم على وجهٍ مخصوص. بغير الله: أي: بأي مخلوق من المخلوقات. كفر أو أشرك: يحتمل أن يكون هذا شكاً من الراوي. ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى الواو فيكون كفر وأشرك. والمراد الكفر والشرك الأصغران. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث خبراً معناه النهي: أن من أقسم بغير الله من المخلوقات فقد اتخذ ذلك المحلوف به شريكاً لله وكفر بالله؛ لأن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، فلا يُحلف إلا به أو بصفة من صفاته. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على أنه من حلف بغير الله فقد اتخذ المحلوف به نداً لله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه الترمذي برقم "1535" وأبو داود برقم "3251" والحاكم "4/297".
ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الحلف بغير الله وأنه شرك وكفر بالله. 2- أن التعظيم بالحلف حقّ لله سبحانه وتعالى فلا يحلف إلا به. 3- أن الحلف بغير الله لا تجب به كفّارة؛ لأنه لم يذكر فيه كفارة.
وقال ابن مسعود: "لَأَن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لأن: اللام: لام الابتداء و"أن" مصدرية، والفعل بعدها منصوب في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء. أحب... إلخ: خبر المبتدأ. المعنى الإجمالي للأثر: يقول ابن مسعود –رضي الله عنه-: إقسامي بالله على شيء أنا كاذبٌ فيه أحب إلي من إقسامي بغير الله على شيءٌ أنا صادقٌ فيه؛ وإنما رجح الحلف بالله كاذباً على الحلف بغيره صادقاً؛ لأن الحلف بالله فيه هذه الحالة في حسنة التوحيد، وفيه سيئة التوحيد أعظم من حسنة الصدق. وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك. مناسبة الأثر للباب: أنه يدل على تحريم الحلف بغير الله. ما يستفاد من الأثر: 1- تحريم الحلف بغير الله. 2- أن الشرك الأصغر أعظم من كبائر الذنوب كالكذب، ونحوه من الكبائر. 3- جواز ارتكاب أقل الشرين ضرراً إذا كان لا بد من أحدهما. 4- دقة فقه ابن مسعود رضي الله عنه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "4/177": رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
وعن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان""1" رواه أبو داود بسند صحيح. وجاء عن إبراهيم النخعي: "أنه يكره أن يقول: أعوذ بالله وبك، ويجوِّز أن يقول: بالله ثم بك"، قال: "ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفلان. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا تقولوا: لا: ناهية والفعل بعدها مجزومٌ بها وعلامة جزمها حذف النون. ما شاء الله وشاء فلان: لأن العطف بالواو يقتضي الجمع والمساواة. ما شاء الله ثم شاء فلان: لأن العطف بثُمّ يقتضي الترتيب والتراخي. يكره: الكراهة في عُرف السلف يُراد بها التحريم. أعوذ: العوذ: الالتجاء إلى الغير والتعلق به. لولا: حرف امتناع لوجود، أي: امتناع شيء لوجود غيره. المعنى الإجمالي للحديث: ينهى –صلى الله عليه وسلم- أن يعطف اسم المخلوق على اسم الخالق بالواو بعد ذكر المشيئة ونحوها؛ لأن المعطوف بها يكون مساوياً للمعطوف عليه؛ لكونها إنما وُضعت لمطلق الجمع فلا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً؛ وتسوية المخلوق بالخالق شركٌ، ويُجوِّز –صلى الله عليه وسلم- عطف المخلوق على الخالق بثُمّ؛ لأن المعطوف بها يكون متراخياً عن المعطوف عليه بمهلة فلا محذور؛ لكونه صار تابعاً. والأثر المروي عن النخعي يفيد ما أفاده الحديث. ويختص هذا الحكم – وهو العوذ بالمخلوق – بالمخلوقين الأحياء الذين لهم قدرة، دون الأموات والعاجزين فلا يجوز أن يسند إليهم شيء. مناسبة الحديث والأثر للباب: أنهما يدلان على النهي عن قول: "ما شاء الله وشاء فلان" ونحو ذلك؛ لأنه من اتخاذ الأنداد لله الذي نهتْ عنه الآية التي في أول الباب على ما فسرها به ابن عباس. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم قول: "ما شاء الله وشئت"، وما أشبه ذلك من الألفاظ مما فيه العطف على الله بالواو؛ لأنه من اتخاذ الأنداد لله. 2- جواز قول: "ما شاء الله ثم شئت"، وما أشبه ذلك مما فيه العطف على الله بثُمَّ؛ لانتفاء المحذور فيه. 3- إثبات المشيئة لله، وإثبات المشيئة للعبد، وأنها تابعة لمشيئة الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "4980" وأحمد في المسند "5/384".
يتبع باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الإثنين أغسطس 19, 2013 9:54 pm | |
| باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق، ومن حُلِف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله""1". رواه ابن ماجه بسند حسن. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن عدم الرضا بالحلف بالله ينافي كمال التوحيد؛ لدلالته على قلة تعظيم الرب جل جلاله. ما جاء فيمن... إلخ: أي: من الوعيد. الحلف: القسم. لا تحلفوا بآبائكم: نهيٌ عن القسم بالآباء؛ لأنه هو المعروف عندهم ولا مفهوم له؛ لتقدّم النهي عن القسم بغير الله مطلقاً. فليصدق: أي: وجوباً تعظيماً لليمين بالله، لأن الصدق واجب ولو لم يحلف بالله فكيف إذا حلف به!. فليرض: أي: وجوبا تعظيما لليمين بالله. وهذا عام الصدق واجب ولو لم يحلف بالل فكيف إذا حلف به!. فليس من الله: هذا وعيدٌ، أي: فقد برئ الله منه. معنى الحديث إجمالاً: ينهى –صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بالآباء؛ لأن الحلف تعظيمٌ للمحلوف به، والتعظيم حقٌّ لله سبحانه، ثم يأمر من حلف بالله أن يكون صادقاً فيما يحلف عليه؛ لأن الصدق مما أوجبه الله على عباده مطلقاً، فكيف إذا حلفوا بالله! ويأمر –صلى الله عليه وسلم- من حُلف له بالله في خصومة أو غيرها أن يرضى باليمين؛ لأن ذلك من تعظيم الله، ثم يبين –صلى الله عليه وسلم- الوعيد الشديد في حق من لم يرض بالحلف بالله؛ لأن ذلك يدل على عدم تعظيمه لله. مناسبة الحديث للباب: أن فيه الوعيد الشديد في حق من لم يقنع بالحلف بالله. ما يستفاد من الحديث: 1- الوعيد الشديد في حق من لم يقنع بالحلف بالله. 2- وجوب الصدق في اليمين. 3- تحريم الكذب في اليمين. 4- حسن الظن بالمسلم ما لم يتبين خلافه. 5- وجوب تصديق من حلف بالله إذا كان من أهل الإيمان. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه ابن ماجه برقم "2101".
يتبع باب قول: ما شاء الله وشئت
باب قول: ما شاء الله وشئت
عن قُتَيلَة: أن يهودياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت""1" رواه النسائي وصححه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
أن هذا الباب داخلٌ في باب قول الله تعالى: {... فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً...} وقد سبق بيان مناسبته.
التراجم: قُتَيلة: بضمِّ القاف وفتح التاء مصغّراً بنت صيفي الجهنيّة صحابية رضي الله عنها.
قول: ما شاء الله وشئت: أي: ما حكم التكلم بذلك هل يجوز أم لا؟ وإذا كان لا يجوز فهل هو شرك أو لا؟ تشركون: أي: الشرك الأصغر. ما شاء الله وشئت: وهذا في تشريكٌ في مشيئة الله. وتقولون: والكعبة: وهذا قسمٌ بغير الله.
المعنى الإجمالي للحديث: ذكر هذا اليهودي للنبي –صلى الله عليه وسلم- أن بعض المسلمين يقع في الشرك الأصغر حينما تصدر منه هذه الألفاظ التي ذكرَها، فأقره النبي –صلى الله عليه وسلم- على اعتبارها من الشرك، وأرشد إلى استعمال اللفظ البعيد من الشرك بأن يحلفوا بالله، وأن يعطفوا مشيئة العبد على مشيئة الله بثُمَّ التي هي للترتيب والتراخي، لتكون مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله. مناسبة الحديث للباب: أن فيه بيان أن قول: "ما شاء الله وشئت" شركٌ. ما يستفاد من الحديث: 1- أن قول ما شاء الله وشئت، والحلف بغير الله شرك، لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أقر اليهودي على اعتبارهما من الشرك. 2- معرفة اليهود بالشرك الأصغر. 3- فهم الإنسان إذا كان له هوى. 4- قبول الحق ممن جاء به وإن كان عدواً مخالفاً في الدين. 5- أن الشرك الأصغر لا يخرج من الملة. 6- الابتعاد عن الألفاظ المخلة بالعقيدة واستبدالها بالألفاظ البعيدة عن الشرك بالله. 7- أن العالم إذا نهى عن شيءٍ فإنه يبين البديل الذي يُغني عنه إذا أمكن. 8- أن النهي عن الشرك عامٌّ لا يصلح منه شيء حتى بالكعبة التي هي بيت الله في أرضه فكيف بغيرها؟! 9- إثبات المشيئة لله، وإثبات المشيئة للعبد، وأنها تابعة لمشيئة الله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه النسائي "7/6" برقم "3773" وأحمد "6/371- 372"، والبيهقي "3/216"، والحاكم "4/297"، وصححه ووافقه الذهبي.
وله أيضاً عن ابن عباس: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم-: ما شاء الله وشئت. قال: "أ جعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وله: أي: النسائي. أجعلتني: استفهام إنكار. نداً: أي: شريكاً. المعنى الإجمالي للحديث: أنكر –صلى الله عليه وسلم- على من عطَف مشيئة الرسول على مشيئة الله بالواو؛ لما يقتضيه هذا العطف من التسوية بين الله وبين المخلوق، واعتبر هذا من اتخاذ الشريك لله، ثم أسند المشيئة إلى الله وحده. مناسبة الحديث للباب: أن قول: "ما شاء الله وشئت" وما أشبه هذا اللفظ من اتخاذ الند لله المنهي عنه بقوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]. ما يستفاد من الحديث: 1- النهي عن قول: "ما شاء الله وشئت" وما أشبهه مما فيه عطفُ مشيئة العبد على مشيئة الله بالواو وما أشبه ذلك. 2- أن من سوّى العبد بالله ولو في الشرك الأصغر فقد اتخذه نداً لله. 3- إنكار المنكر. 4- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد حَمى حِمى التوحيد، وسدّ طرق الشرك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم "988" وأحمد في المسند "1/214، 283، 347".
ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها، قال: "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عُزَير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: "هل أخبرت بها أحداً؟" قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد؛ فإن طفيلاً رأى رؤياً أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: الطفيل هو: الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخْبرة الأزديّ صحابيٌّ رضي الله عنه، وليس له إلا هذا الحديث. على نفر: النفر: رهط الإنسان وعشيرتُه اسم جمعٍ يقع على الرجال خاصّة. لأنتم القوم: أي: نِعم القوم أنتم.
لولا أنكم تقولون عزيرٌ ابن الله: أي: لولا ما أنتم عليه من الشرك بنسبة الولد إلى الله؛ وهذا لأن عُزيراً كان يحفظ التوراة عن ظهر قلب، فقالوا فيه هذه المقالة وقيل لأنه نبي. تقولون ما شاء الله وشاء محمد: عارضوه بذكر شيءٍ مما في بضع المسلمين من الشرك الأصغر. تقولون المسيح: أي: عيسى ابن مريم عليه السلام. ابن الله: فتشركون بالله بنسبة الولد إليه. وإنما قالوا هذا في عيسى؛ لأنه من أمّ بلا أب. حمِد الله وأثنى عليه: الحمد هو: الثناء على الجميل الاختياري من الإنعام وغيرِه، والثناء هو: تكرار المحامد. كان يمنعني كذا وكذا: هو الحياء كما في الرواية الأخرى؛ لأنه حينذاك لم يؤمر بإنكارها. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر الطفيل –رضي الله عنه- أنه رأى في منامه أنه مرّ على جماعة من أهل الملّتين، فأنكر عليهم ما هم عليه من الشرك بالله بنسبة الولد إليه –تعالى الله عن ذلك- فعارضوه بذكر ما عليه بعض المسلمين من الشرك الأصغر الوارد في بعض ألفاظهم، وعندما أصبح قصَّ هذه الرؤيا على النبي –صلى الله عليه وسلم- فأعلنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنكر على الناس التكلم بهذه الكلمة الشركية، وأمرهم أن يتلفّظوا باللفظ الخالص من الشرك. مناسبة الحديث للباب: أنه أفاد أن التلفظ بما شاء الله وشاء محمد وما أشبهها من الألفاظ شركٌ أصغر كما سبق. ما يستفاد من الحديث: 1- الاعتناء بالرؤيا وأنها سببٌ لتشريع بعض الأحكام وقتَ حياة الرسول –صلى الله عليه وسلم-. 2- أن قول: "ما شاء الله وشاء فلان" وما أشبه ذلك شركٌ أصغر. 3- معرفة اليهود والنصارى بالشرك الأصغر، مع ما هم عليه من الشرك الأكبر من أجل الطعن بالمسلمين. 4- تقديمُ حمد الله والثناء عليه في الخطَب، وقول: أما بعد، فيها. 5- استحباب قصر المشيئة على الله، وإن كان يجوز أن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه ابن ماجه برقم "2118" وأحمد "5/393".
يتبع باب من سب الدهر فقد آذى الله | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الإثنين أغسطس 19, 2013 9:58 pm | |
| باب من سب الدهر فقد آذى الله
وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن سبّ الدهر يتضمن الشرك؛ لأن سابّ الدهر إذا اعتقد أنه فاعلٌ مع الله فهو مشرك. أذى الله: حيث وصفه بصفات النقص. وقالوا: أي: منكرو البعث. ما هي: أي: الحياة. إلا حياتنا الدنيا: أي: التي في الدنيا وليس هناك حياةٌ أخرويةٌ. نموت ونحيا: أي؛ يموت بعضٌ ويحيا بعضٌ بأن يولدوا. وما يهلكنا إلا الدهر: أي: مرور الزمان. وما لهم بذلك: أي: القول. من علم: أي: لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناءً على التقليد والإنكار لِما لم يحسُّوا به ولم يُحيطوا بعلمه. المعنى الإجمالي للآية: يخبر تعالى عن الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار البعث أنهم يقولون: ليس هناك حياةٌ غير حياتنا الحاضرة، لا حياة سواها يموت بعضُنا ويولد البعض الآخر، وليس هناك سببٌ لموتنا سوى مرور الزمن وتكرر الليل والنهار، فردّ الله عليهم بأنهم ليس لهم حجة على هذا الإنكار إلا مجرّد الظن والظنُّ ليس بحجة. والمفروض فيمن نفى شيئاً أن يقيم البرهان على نفيه، كما أن من أثبت شيئاً فإنه يقيم الدليل على إثباته. مناسبة الآية للباب: أن من سبّ الدهر فقد شارك هؤلاء الدهرية في سبِّه وإن لم يشاركهم في الاعتقاد. ما يستفاد من الآية: 1- إثبات البعث والرد على من أنكره. 2- ذم من ينسب الحوادث إلى الدهر. 3- أن من نفى شيئاً فهو مطالَبٌ بالدليل على نفيه كالمثبت. 4- أن الظن لا يعتمد عليه في الاستدلال في العقائد.
وفي الصحيح عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أُقَلِّب الليل والنهار" وفي رواية: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر""1". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في الصحيح: أي: صحيح البخاري. يؤذيني: يتنقّصُني. يسب الدهر: أي: يذمه ويلومه عند المصائب التي تنزل. وأنا الدهر: أي: صاحب الدهر ومدير الأمور التي ينسبونها إلى الدهر. أقلِّب الليل والنهار: بالمعاقبة بينهما وما يجري فيهما من خير وشر. وفي رواية: أي: لمسلم وغيره. فإن الله هو الدهر: أي: هو الذي يُجري فيه ما أراده من خيرٍ وشرّ. المعنى الإجمالي للحديث: يروي الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل: أن الذي يسب الدهر عند نزول المصائب والمكاره إنما يسب الله –تعالى- ويؤذيه بالتنقُّص؛ لأنه سبحانه هو الذي يُجري هذه الأفعال وحده؛ والدهر إنما هو خلْقٌ مسخّر، وزمنٌ تجري فيه الحوادث بأمر الله تعالى. مناسبة الحديث للباب: أن فيه أن من سبّ الدهر فقد آذى الله أي: تنقّصَه. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم سبّ الدهر. 2- وجوب الإيمان بالقضاء والقدر. 3- أن الدهر خلقٌ مسخّر. 4- أن الخلق قد يؤذون الله بالتنقص ولا يضرونه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "4826" ومسلم برقم "2246".
يتبع باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أخنع اسم عند الله رجلٌ تسمَّى ملِك الأملاك، لا مالك إلا الله"، قال سفيان: مثل شاهان شاه. وفي رواية: "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه""1". قوله: أخنع: يعني: أوضع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: بيان أن التسمّي باسمٍ فيه مشاركةٌ لله في التعظيم شركٌ في الربوبية. التراجم: سفيان هو: سفيان بن عيينة بن ميمون الهلاليّ، ثقة حافظ فقيه، وُلد بالكوفة سنة 107هـ وسكن مكة ومات فيه سنة 198هـ رحمه الله. ونحوه: أي نحو قاضي القضاة مثل: حاكِم الحكام، وسلطان السلاطين، وسيد السادات. في الصحيح: أي: في الصحيحين. يسمَّى: مبني للمجهول: أي يُدعى بذلك ويرضى به وفي بعض الروايات: تَسمّى بالتاء أي: سمّى نفسه بذلك. الأملاك: جمع ملِك بكسر اللام. لا مالك إلا الله: هذا ردٌّ على من فعل ذلك بأنه وضع نفسه شريكاً لله فيما هو من خصائصه. شاهان شاهٍ: هو عبارة عند العجَم عن ملك الأملاك، وهذا تمثيلٌ لا حصر. وفي رواية: أي: لمسلم في صحيحه. أغيظ رجل: الغيظ: مثل الغضب والبغض، أي: أنه يكون بغيضاً إلى الله. وأخبثه: أي: أبطله، أي: يكون خبيثاً عند الله مغضوباً عليه. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن أوضع الناس عند الله عز وجل من تسمّى باسمٍ يحمل معنى العظمة والكبرياء التي لا تليق إلا بالله، كملك الملوك؛ لأن هذا فيه مضاهاةٌ لله، وصاحبُه يدّعي لنفسه أو يُدّعى له أنه ندٌّ لله؛ فلذلك صار المتسمِّي بهذا الاسم من أبغض الناس إلى الله وأخبثهم عنده. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على تحريم التمسي بقاضي القضاة ونحوه قياساً على تحريم التسَمِّي بملك الملوك الوارد ذمُّه والتحذير منه. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم التسمِّي بقاضي القضاة ونحوه. 2- وجوب احترام أسماء الله تعالى. 3- الحث على التواضع واختيار الأسماء المناسبة للمخلوق والألقاب المطابقة له. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "6205، 6206"، ومسلم برقم "2143".
يتبع باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك | |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الإثنين أغسطس 19, 2013 9:59 pm | |
| باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك
عن أبي شُرَيح – رضي الله عنه- أنه كان يُكنى أبا الحكم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله هو الحَكَم، وإليه الحُكْم" فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أَتَوني فحكمْتُ بينهم، فرضي كلا الفريقين. فقال: "ما أحسن هذا! فمالك من الولد؟" قلت: شُريح، ومسلم، وعبد الله. قال: "فمن أكبرُهم؟" قلت: شريح. قال: "فأنت أبو شريح""1". رواه أبو داود وغيره. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم من أجل ذلك من تحقيق التوحيد. التراجم: أبو شُريح اسمه: هانئ بن يزيد الكِنديّ، صحابيٌّ نزل الكوفة وتوفي بالمدينة سنة 68هـ رضي الله عنه. احترام أسماء الله: أي: تعظيمها، واحترمَه: رعى حرمته وهابه. تغيير الاسم: أي: تحويله وتبديله وجعل غيره مكانه. من أجل ذلك أي: لأجل احترام أسماء الله. يُكنى: الكنية ما صُدِّر بأبٍ أو أمّ. الحكَم: من أسماء الله تعالى ومعناه: الحاكم الذي إذا حكم لا يُرد حكمه. وإليه الحكم: أي: الفصل بين العباد في الدنيا والآخرة. إن قومي... إلخ: أي: أنا لم أُكَنِّ نفسي بهذه الكنية وإنما كنَّاني بها قومي. ما أحسن هذا: أي: الإصلاح بين الناس والحكم بينهم بالإنصاف وتحرِّي العدل. فأنت أبو شُريح: كنَّاه بالأكبر رعايةً؛ لأنه أولى بذلك. المعنى الإجمالي للحديث: استنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على هذا الصحابي تكنِّيه بأبي الحكم؛ لأن الحكم من أسماء الله، وأسماء الله يجب احترامها؛ فبين له الصحابي سبب هذه التكنية، وأنه كان يصلح بين قومه ويحل مشاكلهم بما يُرضي المتنازعين، فاستحسن النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا العمل دون التكنية، ولذلك غيَّرها فكنَّاه بأكبر أولاده. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على المنع من إهانة أسماء الله بالتسمي بأسمائه تعالى المختصة به والتكني بذلك. ما يستفاد من الحديث: 1- فيه تحريم امتهان أسماء الله تعالى والمنع مما يوهم عدم احترامها كالتكني بأبي الحكم ونحوه. 2- أن الحكم من أسماء الله تعالى. 3- جواز الصلح والتحاكم إلى من يصلح للقضاء وإن لم يكن قاضياً وأنه يلزم حكمه. 4- أنه يُكنى الرجل بأكبر بنيه. 5- مشروعية تقديم الكبير. 6- مشروعية تغيير الاسم غير المناسب إلى اسم مناسب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه أبو داود برقم "4955"، والبيهقي "10/145" والحاكم في المستدرك "4/279".
يتبع باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول وقول الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} الآية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} [التوبة: 65]. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: بيان حكم من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنه كفرٌ منافٍ للتوحيد. باب من هزل... إلخ: أي: باب بيان حكم من فعل ذلك. هَزَل: الهزل: المزاح ضدّ الجد. ولئن: اللام لام القسم. سألتهم: الخطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم-: أي سألت هؤلاء المنافقين عن استهزائهم بك وبالقرآن. ليقولُن: معتذرين. نخوض ونلعب: ولم نقصد الاستهزاء والتكذيب، وإنما قصدنا الخوض في الحديث واللعب. قل أبالله وآياته ورسوله: أي: قل لهم –توبيخاً لهم على استهزائهم والخطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم- إن عذركم هذا لن يُغني عنكم من الله شيئاً.
المعنى الإجمالي للآية: يقول الله تعالى لنبيه – صلى الله عليه وسلم-: ولئن سألت هؤلاء المنافقين الذين تكلّموا بكلمة الكفر استهزاءً، فإنهم سيعتذرون بأنهم لم يقصدوا الاستهزاء والتكذيب، وإنما قصدوا الخوضَ في الحديث، فأخبرَهم أن عذرهم هذا لا يُغني عنهم من الله شيئاً. مناسبة الآية للباب: أنها تدل مع ما بعدها على كفر من هزل بشيء فيه ذكر الله أو الرسول –صلى الله عليه وسلم- أو القرآن. ما يستفاد من الآية: 1- أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفرٌ ينافي التوحيد. 2- أن من فعل الكفر وادعى أنه لم يعلم أنه كفرٌ لا يعذر بذلك. 3- وجوب تعظيم ذكر الله وكتابه ورسوله –صلى الله عليه وسلم-. 4- أن من تلفّظ بكلام الكفر، كفر ولو لم يعتقد ما قال بقلبه.
عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة، دخل حديث بعضهم في بعض: "أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القرّاء- فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق؛ لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فذهب عوفٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الرَّكْب نقطع به عنا الطريق". فقال ابن عمر: "كأني أنظر إليه متعلِّقاً بنسْعَة ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإن الحجارة تَنْكُب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: {أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. التوبة: 65-66]. وما يتلفت إليه، وما يزيده عليه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التراجم: 1- ابن عمر هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. 2- محمد بن كعب هو: محمد بن كعب بن سُليم القرَظيّ المدني وهو ثقة عالم، مات سنة 120هـ. 3- زيد بن أسلم هو: مولى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهو ثقة مشهورٌ مات سنة 136هـ رحمه الله. 4- قتادة هو: قتادة بن دعامة السدوسي مفسِّر حافظ مات سنة 117هـ تقريباً –رحمه الله-. 5- عوف بن مالك: هو عوف بن مالك الأشجعيّ أول مشاهده خيبر، وروى عنه جماعةٌ من التابعين توفي سنة 73هـ رضي الله عنه.
دخل حديث بعضهم في بعض: أي: أن الحديث مجموعٌ من رواياتهم. قرّائنا: القراء: جمع قارئ، وهم عند السلف: الذين يقرؤون القرآن ويعرفون معانيه. أرغب بطوناً: أي: أوسع بطوناً يصفونهم بسعة البطون وكثرة الأكل. عند اللقاء: يعني: لقاء العدو. فوجد القرآن قد سبقه: أي: جاء الوحي من الله بما قالوه قبل وصوله إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. إنما كنا نخوض... إلخ: أي: نتبادل الحديث ولم نقصد حقيقة الاستهزاء. نسعة: النسعة: سيرٌ مضفورٌ عريضٌ تُشد به الرحال. المعنى الإجمالي للأثر: يصف هؤلاء الرواة ما حصل من المنافقين من الوقيعة برسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والسخرية بهم؛ وذلك لما تنطوي عليه قلوب هؤلاء المنافقين من الكفر والحقد، وقد أظهر الله ذلك على ألسنتهم فقالوا ما قالوا، فأنكر عليهم من حضرهم من المؤمنين الصادقين؛ غيرةً لله ولدينه، ثم ذهب ليرفع أمرهم إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم-، ولكنّ الله الذي يعلم السر وأخفى قد سمع مقالتهم وأخبر بها رسولَه قبل وصول ذلك المؤمن، وحكم عليهم سبحانه بالكفر وعدم قبول اعتذارهم، ثم جاء أحد هؤلاء المنافقين معتذراً إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- فرفض النبي –صلى الله عليه وسلم- قبول اعتذاره؛ لأمر الله له بذلك. فلم يزِد في ردّه عليه على ما قاله الله سبحانه وتعالى في حقّهم من التوبيخ والتقريع. مناسبة الأثر للباب: أن فيه بياناً وتفسيراً للآية الكريمة. ما يستفاد من الأثر: 1- بيان ما تنطوي عليه نفوس المنافقين من العداوة لله ورسوله والمؤمنين. 2- أن من استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ وإن كان مازحاً. 3- أن ذكر أفعال الفسّاق لولاة الأمور؛ ليردعوهم ليس من الغيبة والنميمة، بل هو من النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. 4- الغِلظة على أعداء الله ورسوله. 5- أن من الأعذار ما لا ينبغي قبوله. 6- الخوف من النفاق؛ فإن الله سبحانه أثبت لهؤلاء إيماناً قبل أن يقولوا ما قالوه. 7- أن الاستهزاء بالله أو بالرسول أو بالقرآن ناقضٌ من نواقض الإسلام ولو لم يعتقد ذلك بقلبه.
يتبع باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصِّلت: 50].
| |
|
| |
ابو زياد المدير العام
عدد المساهمات : 295 تاريخ التسجيل : 12/07/2013 العمر : 41
| موضوع: رد: موضوع كامل عن التوحيد الإثنين أغسطس 19, 2013 9:59 pm | |
| باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصِّلت: 50].
قال مجاهد: "هذا بعملي وأنا محقوق به". وقال ابن عباس: "يريد من عندي". وقوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 78]. قال قتادة: "على علم مني بوجوه المكاسب". وقال آخرون: "على علم من الله أني له أهل". وهذا معنى قول مجاهد: "أوتيته على شرف". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمام الآية: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [فصلت: 50]. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: بيان أن زعْم الإنسان استحقاقَه ما حصل له من النعم بعد الضراء منافٍ لكمال التوحيد. ولئن: اللام: لام قسمٍ. أذقناه: آتيناه. رحمة: غنىً وصحة. ضراء: شدةً وبلاءً. قائمة: أي: تقوم. ولئن رُجِعت إلى ربي: أي: ولئن قامت الساعة –على سبيل الافتراض- ورجعت إلى ربي. إن لي عنده للحسنى: أي يكون لي عند الله في الآخرة الحالة الحسنى من الكرامة؛ وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فهو لاستحقاقه إياه وليس لله فيه فضلٌ. فلننبئنَّ الذين كفروا: فلنخبرنَّهم. بما عملوا: أي: بحقيقة أعمالهم، عكس ما اعتقدوه من حسن منقلَبهم. غليظ: أي: شديد. المعنى الإجمالي للآية: يخبر تعالى أن الإنسان في حال الضُّر يضر إلى الله، وينيب إليه ويدعوه، وأنه في حال اليسر والسعة يتغير حالُه، فينكر نعمة الله عليه، ويُعرض عن شكرها؛ لزعمه أنه إنما حصلت له هذه النعمة بكدّه وكسبه وحوله وقوته، وأعظم من ذلك أنه ينفي قيام الساعة وزوال الدنيا، ويقول: إن قدِّر قيام الساعة فستستمر لي هذه الحالة الحسنة، لأنني أستحقها. ثم يعقب سبحانه على ذلك بأنه لا بد أن يوقَف هذا وأمثاله من الكافرين على حقيقة أعمالهم الشنيعة ويجازيهم عليها بأشد العقوبة. ما يستفاد من الآية: 1- وجوب شكر نعمة الله والاعتراف بأنها منه وحده. 2- تحريم العُجب والاغترار بالحول والقوة. 3- وجوب الإيمان بقيام الساعة. 4- وجوب الخوف من عذاب الله في الآخرة. 5- وعيد من كفر بنعمة الله.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم: فبعث إليهم ملَكاً: فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذِرَني الناس به. قال: فمسحه، فذهب عنه قذَرُه، فأُعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر -شك إسحاق- فأعطي ناقةً عُشَرَاء، وقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع، فقال: أيُّ شيء أحبُّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قد قذِرني الناس به، فمسحه، فذهب عنه، وأُعطي شعراً حسناً، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل، فأعطي بقرة حاملاً، قال: بارك الله لك فيها. فأتى الأعمى، فقال: أيُّ شيء أحبُّ إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأُبْصر به الناس. فمسحه، فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والداً، فأَنتج هذان ووَلَّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم. قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيراً أتبلَّغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفُك، ألم تكن أبرصَ يقذرُك الناس، فقيراً فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردّ عليك بصرَك شاةً أتبلَّغ بها في سفري. فقال: كنت أعمى فردّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت، ودَعْ ما شئت؛ فوالله لا أَجْهَدُك بشيء أخذتَه لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتُلِيْتُم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك""1" أخرجاه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أخرجاه: أي: البخاري ومسلم. أبرص: الأبرص: من به داءُ البرص وهو: بياضٌ يظهر في ظاهر البدن لفساد المزاج. وأقرع: هو: من به قرَع وهو: داءٌ يصيب الصبيان في رؤوسهم ثم ينتهي بزوال الشعر أو بعضه ويطلق القرع على الصلع. وأعمى: هو: من فقد بصره. أن يبتليهم: أي: يختبرهم بنعمته. قذِرني الناس: بكسر: الذّال أي: كرِهوا مخالطَتي وعدُّوني مستقذراً من أجله. شك إسحاق: هو ابن عبد الله بن أبي طلحة راوي الحديث. عُشَراء: بضم العين، وفتح الشين والمد وهي: الناقة الحامل التي أتى على حملها عشرة أشهر أو ثمانية. والداً: أي: ذات ولد أو التي عُرف منها كثرة الولد والنتاج. أنتج: أي: تولى صاحبُ الناقة وصاحب البقرة نتاجهما. وولّد: بتشديد اللام أي: تولّى ولادها. وكان لهذا... إلخ: أي: كان لكلّ واحد منهم ما يملأ الوادي من الإبل والبقر والغنم. انقطعت بي الحبال: أي: أسباب المعيشة. أتبلَّغ به: أي: أتوصَّل به إلى البلد الذي أريده. كابراً عن كابر: أي: ورثت هذا المال عن كبيرٍ ورِثَه عن كبيرٍ آخر في الشرف. صيَّرك الله إلى ما كنت: أي: ردّك إلى حالك الأولى برجوع العاهة إليك. لا أَجْهَدُك: أي: لا أشقّ عليك برد شيء تأخذُه من مالي.
المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء الثلاثة الذين أُصيب كل منهم بعاهة في الجسم وفقر من المال، ثم إن الله سبحانه أراد أن يختبرهم، فأزال ما أصابهم من العاهات وأدرَّ عليهم من الأموال، ثم أرسل إلى كل واحد منهم الملك بهيئته الأولى من: المرض والقرَع والعمى والفقر يستجديه شيئاً يسيراً، وهنا تكشّفت سرائرهم وتجلّت حقائقُهم، فالأعمى اعترف بنعمة الله عليه ونسبَها إلى من أنعم عليه بها، فأدّى حق الله فيها، فاستحق الرضا من الله، وكفر الآ***ن بنعمة الله عليهما وجحدا فضله فاستحقا السخَط بذلك. مناسبة الحديث للباب: أن فيه بيان حال من كفر النعم ومن شكرَها. ما يستفاد من الحديث: 1- وجوب شكر نعمة الله في المال وأداء حق الله فيه. 2- تحريم كفر النعمة ومنع حق الله في المال. 3- جواز ذكر حال من مضى من الأمم؛ ليتعظ به من سمِعه. 4- أن الله يختبر عباده بالنعم. 5- مشروعية قول: بالله ثم بك، فيكون العطف بثُمَّ لا بالواو في مثل هذا التعبير. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "1" أخرجه البخاري برقم "3464"، ومسلم برقم "2964".
يتبع باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190].
| |
|
| |
| موضوع كامل عن التوحيد | |
|